نماذج من قيم المقاومة من خلال معركتي “بوكَافر” و”بادو”

admin
آخر الأخباراقلام حرة
admin18 سبتمبر 2020آخر تحديث : الجمعة 18 سبتمبر 2020 - 11:51 مساءً
نماذج من قيم المقاومة من خلال معركتي “بوكَافر” و”بادو”
عبد المجيد يوسفي

في البداية لابد من الإشارة إلى أن اختيارنا لهذا العنوان لا يعني حصر حضور قيم المقاومة فقط في معركتي بوكافر وبادو 1933 بل محاولة رصد حضور هذه القيم في معارك شاركت فيها قبائل إقليم تنغير . كما أن المقاومة بهذه الجهة كان لها السبق التاريخي في الذوذ عن حدود الوطن منذ ثمانينات القرن 19 1. كما تعد معركتي بوكافر وبادو من آخر المعارك المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي بالمغرب.

والواقع أنه من الصعب جدا جرد كل الخطوات التي قام بها أبناء الجنوب الشرقي لمواجهة الاستعمار ومساعدة الآخرين على مقاومته لذلك سنقتصر على تقديم بعض الأمثلة المعبرة عن قيمهم المشحونة بروح المقاومة والكفاح.

فقد اتسمت هذه المقاومة بالشجاعة الناذرة والبطولة ونكران الذات قل نظيرها وفي هذا الباب نرى أن نستشهد بأحد رموز ما كان يسمى زورا حسب المصطلحات العسكرية الفرنسية بالتهدئة وهو الجنرال كَيوم، لقد جاء في كتابه “البربر المغاربة وتهدئة الأطلس 1912 -1934 ” ما يلي: “لم تأت إلينا تلقائيا ولو قبيلة واحدة ولم نرى قبيلة واحدة تستسلم بدون أن تحارب إلى أن تستنفذ ما لديها من وسائل المقاومة”2.

  • مشاهد من قيم التلاحم والتضامن والوحدة في معركتي بوكافر وبادو:

شكل التغلغل الاجنبي في الجنوب الشرقي فرصة لإعلاء قيمة التلاحم والتضامن والوحدة بين قبائل أيت عطا وأيت يا فلمان ومنهم أيت مرغاد المكونة لهذا المجال والتي اشتهرت بصراعاتها وحروبها المريرة لقرون خلت فقد شاركا معا في تحرير تافيلالت وتحجيم نفود الكَلاوي بالمنطقة 3 مما أرعب الفرنسيين كما ذكر اليوتنان كوليس قال: “منذ بداية 1918 تمكن أعداؤنا من تحقيق التحالف بينهم وهكذا اتفق أيت عطا وأيت مرغاد على إهمال تناقضاتهم المزمنة لتكوين حلف ضد الروم وهو حدث لم يسبق له نظير في المنطقة”4.

وأمام الهجمات الفرنسية المكثفة على واحات الجنوب الشرقي واستعمالها لسلاح الطيران شهر فبراير 1933 أخدت الأسر العطاوية ومنها المرغادية وإقبليين والشرفاء تتجه نحو صاغرو لصعود جبل بوكافر تلبية لنداء الجهاد والفداء ضد الدخيل الأجنبي 5.

كما شارك إلى جانب قبيلة أيت عيسى إزم في معركة بادو غشت 1933 على نفس الجبهة عدة قبائل وأخماس من أيت حديدو وأيت ايحيى وأيت إزدكَ وسكان واحة تودغة الى جانب شرفاء زاوية سيدي بويعقوب بأسول 6.

  • مشاهد من قيمة التحدي في معركتي بوكَافر وبادو

راسل الفرنسيون قبل اندلاع معركة بوكَافر القائد عسو أوبسلام سنة 1930 يشرحون له أنهم لا يحبذون المبالغة في الصراع وأنهم على استعداد للتسامح لكن عسو أوبسلام لم يزد في جوابه أن قال لهم “ليأت الذي حرر هذه الرسالة ليسمع الجواب” 7.

وفي تصريح لصحيفة باريس المساء بعد انتهاء معركة جبل بادو صرح زايد أوسكونتي للصحيفة قائلا: “أوسكونتي متمسك بشرفه كزعيم للمقاومة ولا يمكنني أن استسلم بسهولة  إن طائراتكم هي التي أحرزت لكم التفوق وألحقت بنا خسائر. ولم أحاول الهرب لأن أوسكونتي لن يتخلى عن أهله وذويه في المحنة” 8.

  • مشاهد من قيم الصبر والشجاعة والصمود في معركتي بوكَافر وبادو

ورد في تقرير استخباراتي يحمل توقيع القبطان ثيابود ليوم 25 فبراير 1933 حول معركة بوكَافر ما يلي: ” أغلبية المنشقين – يقصد المجاهدين – مستعدون للدفاع والمواجهة الى آخر نفس” 9.

المشهد نفسه يحمله تقرير استخباراتي فرنسي عن المعركة يحمل توقيع الجنرال كاترو ليوم 08 مارس 1933 يقول التقرير: ” بالنسبة لمعنوياتهم فلابد أن نؤكد بأنهم مرهقون ويعانون شح الماء ،اليأس بلغ أشده لكن المقاتلين يضعون مصيرهم بين يدي الله… انهم مستعدون للموت حتى آخر فرد”10.

ليؤكد تقرير استخباراتي آخر يحمل توقيع الجنرال جيرو ليوم 12 مارس 1933 “إن الرغبة في التحرر والاعتداد بالنفس الأمازيغي دفعا أيت عطا لمقاومتنا حتى الآن مقاومة شرسة…”11.

وصور مخطوط للفقيه الطالب لحسن العزاوي الذي كان معاصرا لتلك المعركة التي نعتها في مخطوطه بغزوة صاغرو شجاعة وصمود النساء حين قال: ” وكذلك النساء التي حضرن تلك الغزوة وأنهن فعلن كما أفعال الرجال في يوم القتال رضي الله عنهن وأنهم ينبهن الرجال في يوم القتال ليقولن لهم كونوا الرجال”12.

ويعضد هذه الشهادة ما أورده الطبيب الفرنسي الماجور فيال كشاهد عيان لمعركة بوكَافر بقوله: ” كانت نساؤهم تسهرن على تجميع المنعزلين وتوزعن الذخائر كما كن يأخدن مكان المصابين ويدحرجن على المهاجمين صخورا حتى قعر الوادي” 13.

في معركة بادو غشت 1933 استصدر القائد زايد أوسكونتي فتوى من العالم سيدي محمد بن الحاج تالتفراوتي ومن شرفاء أسول لتحريض المقاومين على الشجاعة والصمود قائلا لهم: ” الجهاد الجهاد… إن الله لا يرضى لعباده الكفر ولكن إذا قدر الله وسقطتم تحت نير المستعمرين فهنالك بيت لا يدخله الكفر وهو القلب وقال إن الاستسلام هو الكفر”14.

واعترف الجنرال هوري بصمود وقتالية مجاهدي معركة بادو حيث قال: ” إن القيمة القتالية لأيت مرغاد والذين اصطدمنا بهم من قبل في تاديغوست لم تضعف فكل خطأ عسكري من جانبنا يعاقب على التو بخسائر فادحة”15. وزاد قائلا:”بقدر ما يتقدم جنودنا كانت تزداد ضراوة مقاومة الأعداء  – أي المجاهدين –فكان العدو يدافع عن نفسه بشراسة فكان يطلق علينا نيران بنادقه الرشاشة”16.

ورغم تضييق الخناق على المجاهدين وإحكام الطوق عليهم بجبل بادو يقول الكونونيل لانكو:”إن المتعنتين – يقصد المجاهدين في جبل بادو- رفضوا مسلسل التفاوض والاستسلام هذا على الرغم من أن أزمة الماء التي يعاني منها المحاصرون مما يفرض علينا القيام بمزيد من الضغط لانتزاع الاستسلام”17.

  • مشاهد من قيمة الحكمة في معركتي بوكَافر وبادو:

شدد الفرنسيون والمتعاونون معهم الحصار على المرابطين في بوكَافر خصوصا بعد مقتل الفارس الأحمر بورنازيل الذي شكل مقتله يومها مأساة للجيش الفرنسي فاشتد الحصار وارتقى من الشهداء 5 آلاف إلا قليل نساء وأطفالا وشيوخ ولم تسلم حتى الدواب نظر عسو أوبسلام إلى الأمر بواقعية وآثر أن يحفظ ما تبقى من الدماء فبدأ التفاوض مع العدو بما يصون الكرامة فأقرت الهدنة يوم 26 مارس 1933. 18

ومع اشتداد الحصار كذلك على مجاهدي جبل بادو في غشت 1933 قبل زايد أوسكونتي التفاوض لفك الحصار على الأطفال والنساء والعجزة حقنا للدماء وتم ذلك يوم 29 غشت 1933. 19

فنزل بذلك ما تبقى من المجاهدين من الجبال وقد خلدوا مجدا لا ينسى وجعلوا من بوكَافر وبادو أعظم ذكرى.

خلاصة القول أن أحداث معركتي بوكَافر وبادو مارس وغشت 1933 تضمنت مشاهد متعددة لقيم الجهاد والمقاومة والفداء والمتمثلة في التضحية ونكران الذات والوفاء مع عمق الإخلاص لله وللوطن.

  • الإحالات:
  • 1-محمد بوكبوط ،مقاومة الهوامش الصحراوية للإستعمار(1880-1938) صفحات مجهولة من صمود قبائل التخوم الشرقية من تافيلالت إلى واد نول،الطبعة 1،2005،دار أبي رقراق للنشر،الرباط ،ص 140.
  • 2-عبد الله العياشي،”جذور المقاومة المغربية ومراحل تطورها”،أعمال ندوة المقاومة المغربية ضد الإستعمار 1904-1955″،منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير،الطبعة2،2008،الرباط، ص75.
  • 3-محمد بوكبوط،مرجع سابق،ص172.
  • 4-عبد القادر بوراس،ملامح من مقاومة زايد أوسكونتي (من سنة 1907 إلى سنة 1933)،منشورات المندوبية السامية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير،الطبعة 2،دار أبي رقراق ،الرباط ،2009،ص18.
  • 5-مولاي أحمد الإدريسي،تودغة تاريخ وأعلام،دار الكتب العلمية،بيروت،الطبعة 1،2018،ص81.
  • 6-عبد القادر بوراس،نفس المرجع،ص45،بتصرف طفيف.
  • 7-مولاي أحمد الإدريسي،نفس المرجع،ص80.
  • 8- عبد القادر بوراس،نفس المرجع،ص55.
  • 9-ميمون أم العيد،أوراق بوكافر السرية،الطبعة 1،أكادير،2014،ص34.
  • 10-ميمون أم العيد،نفس المرجع،ص59.
  • 11-نفسه،ص91.
  • 12-محمد بوكبوط،مرجع سابق،ص 136.
  • 13-نفسه،136.
  • 14-عبد القادر بوراس،نفس المرجع،ص47.
  • 15-محمد بوكبوط،مرجع سابق،ص180.
  • 16-نفسه،ص184.
  • 17-عبد القادر بوراس،نفس المرجع،صص47/48.
  • 18-مولاي أحمد الإدريسي،نفس المرجع،ص 84 بتصرف.
  • 19-عبد القادر بوراس،نفس المرجع،ص60.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.