الطرق السيالة.. والسكك اللامواطنة بالمغرب..

admin
اقلام حرة
admin7 فبراير 2015
الطرق السيالة.. والسكك اللامواطنة بالمغرب..
يوسف عشي

نحاول في هذا المقال تسليط بعض الضوء على جانب خطير من ملف السلامة الطرقية ببلدنا، ولا نزعم أننا سنضيف جديدا بقدرما نرمي إلى إعادة لفت انتباه المسؤولين إلى ما يقترفونه بسبب عدم قيامهم أو تهاونهم في أداء الواجب الذي سيحاسبون عليه أمام الله أما محاسبة العبد فتبدو بعيدة التحقق في ظل واقع يكرس “عفا الله عما سلف” ناسيا أو متناسيا أن” الله شديد العقاب”.. فننطلق من الطريق السيار( الذي نعتناه بالسيال في عنوان المقال نظرا لحجم ما تسيل به بمن ال)دماء ثم تعرج على السكك الحديدية التي نعتناها باللاوطنية نظرا لاعتبارات سنتحدث عنها.

     يعرف الطريق السيار الدار البيضاء – أكادير ثورة حقيقة..لكنها ليست ثورة مرورية، أوثورة في إدماج تقنيات وتجهيزات حديثة تعزز سلامة المواطنين المسافرين بعرباتهم بالسرعة والمدد الوجيزة ، بل إن هذه الثورة جعلته يساهم بكرم في حصة الخسائر المادية والبشرية في ما بات يسمى بالمغرب بحرب الطرق.

     ولا شك أن تصنيف الطريق السيار بالمغرب في المرتبة الثانية إفريقيًّا قد يخادع المتتبع.. ليكتشف أن هذا التصنيف لا يدل على جودة الطريق، بقدر ما هو تعبير عن هشاشة البنية التحتية بالقارة السمراء.

      والنموذج من نقطة كيلوميترية تبعد عن مخرج شمال برشيد بكيلومترين تقريبا حيث شهدت هذه النقطة حادثة سير خطيرة نجت منها سيدتان: ابنة سائقة وأم بئيسة.. بأعجوبة، والسبب لا يمكن أن نعزوه للسرعة ما دمنا في طريق سيار لكنه يعود لكون الشركة المسؤولة (والصواب في نظرنا اللامسؤولة) عن الطريق تقوم بإصلاحات ترقيعية كعادتها وتفاجئ المواطنين في “طريق سيار” بعلامات تشير إلى الأشغال مما يدفع إلى التساؤل حول اللوحات الإلكترونية التي تستورد بمبالغ طائلة من أموال دافي الضرائب والطريق السيار جزء لا يتجزأ منها. السيدة  السائقة فوجئت وهي لا تزال تتقدم بعد مرورها حديثا من محطة للأداء تكلفت فقط بجباية رسوم العبور دون أن تكلف الشركة على الأقل عمال الاستخلاص لديها بالتنبيه إلى الأشغال الظرفية التي باتت دائمة خصوصا في المسافة الفاصلة بين البيضاء وبرشيد التي تعد شريان مرور يعرف حركة دائبة ودائمة.

      والحصيلة أن السيدة التي تقود بسرعة – وهذا أمر طبيعي لأنها في طريق سيار  – فوجئت بعلامات للأشغال تقلص من عرض الطريق وحين حاولت تفاديها متأخرة (وهذا نصيبها من المسؤولية) فوجئت بشاحنة من الحجم الكبير تسير في الرواق الأيمن، وبهلع شديد أدارت السيدة عجلة القيادة بقوة وسرعة في الاتجاه المعاكس متسببة في خلق حاجز فيزيائي يعترض سرعة السيارة المتمتعة بارتفاع لابأس به – فهي من نوع رونو كونغو- لتنقلب السيارة رأسا وتقذف بنفسها وتستقر على سقفها رافعة عجلاتها للسماء في الوقت الذي اتجه فيه سائق الشاحنة بحنكة وحرفية شديدة إلى أقصى جانب الطريق فاسحا المجال للسيارة التي لم تنج.. متسببا في أضرار طفيفة بهيكل الشاحنة الجانبي فقط،ولولا ألطاف الله وحنكة سائق الشاحنة والسائقين المتواجدين بنفس المنطقة لحظة الحادثة لشهدنا كارثة حقيقية.

     وربما الجانب المشرق في المسألة هو الدور الإيجابي الذي لعبه عناصر الدرك الملكي الذين هرعو إلى مكان الحادثة على الفور مصحوبين بعناصر الوقاية المدنية بسيارة الإسعاف حيث توجهوا مباشرة للسيدتين متسائلين عن إمكانية إصابة أحد الضحايا ليتم توجيهه إلى المستشفى، وقد سجل طاقم الجريدة الذي تواجد بعين المكان شدة اللهجة التي تحدث بها أحد عناصر الدرك الملكي وهو -نائب فريق كبحد تعبيره- حينما توجه إليه سائق الشاحنة موجها له وثائق الشاحنة حيث صرخ في وجهه قائلا: { خلينا تعتقو الناس بعدا ونحميوهم عاد نشوفوا التحقيق..}

     لكن اللافت والمثير في هذا الحادث النموذج، هو سلوك أحد مسؤولي الشركة المسؤولة عن الطريق. والذي حاول ابتزاز سائق الشاحنة مطالبا إيه بإعطائه وثائق الشاحنة ومطالبا إياه بتأدية الخسائر التي أحدثتها شاحنته بالحاجز الواقي الجانبي للطريق، في سلوك اقل ما يوصف به أنه صلف ولا إنساني.. فعوض أن يسارع إلى تهدئة الناس المصابين بهول ورعب الحادث يتجه إلى مطالبتهم بآداء الخسائر، فطبعا ما يهم الشركة هو المداخيل وجني المال وليذهب المواطنون إلى الجحيم.. ويدل على ذلك عدم تنبيه المواطنين في” محطة الأذى” عفوا محطة الأداء، لأنها تظل محطة يؤذى فيها المواطن في جيبه ولا تسهر إطلاقا على سلامته.

      بالنسبة للشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، ما يهم هو سلامة جيب المواطن لا بدنه وعربته.. ويدل على ذلك أيضا، قفل الشركة في الكثير من الأحيان لأجزاء كاملة من الطريق وتحويلها إلى طريق عادي بداعي الإصلاح لكن مع المحافظة على أداء المواطن للرسوم، وهذه خطوة لا نشهدها إلا في “المغرب والتحت.. إفريقيا..” التي يصنف فيها المغرب ثانيا في حين أن الدول المحترمة تكلف بطرقها شركات محترمة لا تقبل على نفسها جباية المال في حين المواطن لا يستفيد من الخدمة كاملة مقابل ما دفعه فتترك المحطات القريبة من أماكن الأشغال مفتوحة دون أداء.. الأداء الذي تحول في المغرب إلى أذى دائم.. مادام أنه لا يوجه إلى ذي قيمة !!..فهو مواطن ليس إلا.. أهكذا تنظر الدولة إلى من يشكل سبب وجودها؟ أهكذا تصان سلامة وكرامة المواطنين يا وزير النقل؟

      وبالحديث عن واقع السكك الحديدية بالمغرب، فحدث ولا حرج.. إذ حين يتحول اهتمام الدولة بهذا القسم الهام من وسائل النقل “العمومية” من الاهتمام بما يضمن خدمة وسلامة المواطنين في تنقلاتهم.. إلى ميدان للاستثمار المدر للدخل فقط.. حينها نقرأ السلام على خطوط لم تتقدم إلى الجنوب شبرا واحد زيادة على ما كانت عليه في عهد الاستعمار..

     ويحدث هذا في زمن يجري العمل بجد واجتهاد على إتمام مشروع “التي جي في” بمحور الدار البيضاء – طنجة (هه.. المغرب النافع..) وذلك أولا، تملقا لفرنسا التي تواصل استعمارها للمغرب بطرق شتى حتى يبدو مع الأزمة الأخيرة في العلاقة بين البلدين أن المغرب يشارف على الانتفاض فعليا ونفث غبار الإست حمار الفرنسي في عيون أحفاد موليير.. وذلك موضوع آخر قد نفرد له مقالا خاص.. وثانيا، لجني المزيد والمزيد من الأرباح.. فقطاع السكك الحديدية بالمغرب كان ولا زال وسيظل حكرا على الدولة التي من المفروض نظرا لمبررات وجودها الأخلاقي والدستوري أن هذا القطاع وسيلة تخدم بها المواطن لا وسيلة لرفع أرقام المبالغ المستخلصة كأرباح في قطاع باتت رائحة الفساد تفوح منه كما تفوح الروائح النتنة من الجثث المتعفنة -رعى الله قدركم..

     ويبدو أن أعين المسؤولين عن السكك الحديدية بالمغرب لا تعرف النظر سوى في تقارير الأرباح والصفقات والمبتكرات الخطيرة – لا في ميدان تطوير العلوم وإنما في ميدان صبغ الزيادات المتوالية في أسعار التذاكر- لتستقر في أعلى هرم ثمن تذاكر السفر في هذا البلد السعيد على الإطلاق.. وهي عيون عمياء أيضا عن الواقع الأليم الذي تتسبب فيه خطوط السكك الحديدية نظرا للتوسع العمراني واتساع دائرة المدار الحضري لتتحول السكة الحديدية إلى جدار أقوى من جدار برلين الذي هدم وأقوى من الجدار الذي شيده العدو الصهيوني بالقدس الشريف وربما تصبو إلى منافسة سور الصين العظيم .. جدار يشطر مدنا بكاملها إلى نصفين أو أكثر.. ويكفي كمثال بسيط التنبيه إلى أن نصف ساكنة مدينة سطات أو أكثر تضطر حينما تريد التوجه إلى مدينة الدار البيضاء إلى العودة إلى وسط المدينة والمرور من نقطة شديدة الازدحام أمام السوق الشهير “شطيبة” لا لشيء سوى لكي تجد لها منفذا إلى الطريق الوطنية وقم 9 القادمة من مراكش والمتوجهة إلى الدار البيضاء..

    إن أعين مسؤولي السكك لم تنتبه أو بالأحرى لم تهتم سوى بجمالية المحطات .. كخطوة تسويقية للمنتوج الذي يتم تكديس المواطنين في قاطراته وشحنهم كالأغنام بل أكثر في أوقات الذروة في العطل والمناسبات المحلية والدينية.. ويبدو أيضا أن واقع الحشد هذا لا يُرى بل ربما هو ليس بالشيء اللافت مادامت المداخيل في ارتفاع .. وأولئك الزبناء ( وليس المواطنين) يؤدون الثمن صاغرين في بلد يبدو أنه ليس فيه من يشعر أو يتحسس معاناة المواطن الذي ربما يصدق فيه قول يائس: “إن حضه البئيس هو ما دفعه للانتماء إلى هذا البلد..”

     ربما تبح الأصوات دون أن تحقق أي نتائج ولربما صار محكوما علينا في هذا البلد السعيد أن نطبق الحكمة القديمة “إذا كان الكلام من فضة فإن الصمت من ذهبوذلك ربما لأن مسؤولينا يعاملوننا دائما بالحكمة المأثورة التي تقول “كم حاجة قضيناها بتركها..”

   ويبقى السؤال الذي يكرر نفسه دائما : إلى متى ستظل طرقنا وسككنا مسرحا للخسائر المادية والنهايات المأساوية للعديد من الضحايا والأرواح المزهقة؟؟ حتى باتت مقبرة لا تستثني من دنى أو على شأنه؟ أهكذا تصان أرواح الناس ومكتسباته وتؤدى حقوقهم يا رئيس الحكومة؟

خاتما نكرر جملتنا المعهودة التي ربما باتت شعار مقالاتنا{إننا لا نتهم أحدا.. لكن من حقنا محاسبة الجميع}..السلام عليكم

يوسف عشي

cleardot - تنغير أنفو :: الخبر اليقين بين يديك

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.