الاستقلال بين المًحَرِّرِين والمًتَحَرِّرِين.

admin
اقلام حرة
admin16 يناير 2015
الاستقلال بين المًحَرِّرِين والمًتَحَرِّرِين.
الحبيب عكي

قمة الجنون أن أقدم العالم الغربي على استعمار العالم العربي ونهب خيراته وقتل أبنائه وتشويه اختياره  وتحديد مساره بدعوى مساعدته على التنوير والنهوض ولو بقوة السلاح والدمار، وقمة الجنون أيضا أن نعتبر أن الظاهرة الاستعمارية قد انتهت بمجرد خروج فيالقها العسكرية المتغطرسة من النوافذ صاغرة وهي التي دخلت جهالة من الأبواب قاهرة.الاستعمار مظاهر قهرية استعبادية تحكمية وتدميرية قد تطال كل حياة الأمم والشعوب وحتى الحكومات والأفراد الضعفاء،الاستعمار فقدان الحرية والكرامة وحتى الديار والأوطان و فقدان القرارات السياسية والموارد التنموية والطاقات البشرية…، وما تحرر منه من لا يزال مرتهنا لغيره في كل هذا أو غيره.وهي حال شعوبنا التي لا تزال تنميتها متخلفة وكل أحوالها “ملخبطة” رغم عقود من ملحمة تحررها ونيل استقلالها؟؟.

هذا عن الاستعمار بين الدول وقد تحكم فيه الاستكبار والطغيان وقانون الغاب وهمجية الحرب والحرب المضادة، ولكن ماذا عن الاستعمار أو الاستحمار بين الأنظمة الشمولية وشعوبها المستضعفة المغلوبة على أمرها،ويظهر أن جل هذه الأنظمة وحكوماتها قد تربت عن الاستعمار وتفوقت عنه فأخذت  تحكم بنفس حكمه الديكتاتوري المتسلط القاهر وإن باسم الحداثة والديمقراطية والتنمية وشتى الأسماء والمسميات والتي لا يزال الناس في العموم لا يرون منها إلا المظاهر و المعاني دون الجواهر والمباني؟؟. مما جعلهم يقولون بأن الاستقلال معركة لا تنتهي و الضرورة ملحة لمعركة الاستقلال الثاني وجهاده الأكبر ضد كل مظاهر القهر والتخلف،لأن المستعمِر في الحقيقة مازال في مستعمراته ما دام قد ترك وراءه عساكر ورؤساء وسياسيون ومثقفون محليون يتمون مهامه الإلحاقية والتطبيعية مع الغرب المستعمِر الناهب دون أن تلاحقه سوء الأحدوثة والتدمير البربري في التاريخ إلى الأبد؟؟.

الرعيل المحرِّر من الآباء والأجداد المجاهدين الأفذاذ،قد ضحوا كثيرا بأرواحهم وأموالهم وقدموا الغالي والنفيس من أجل الاستقلال وتحرير البلاد والعباد من قبضة المستعمر الغاشم،ونجحوا في ذلك وحققوا على إثره العديد من المكاسب في الحرية والكرامة والتعليم والصحة والفلاحة والتشغيل…،لكنهم مع الأسف لا زالوا يتجرعون غصص الانتكاسات في مجالات متعددة خاصة فيما يتعلق بالأحلام المجهضة و ثمرات الحركة الوطنية المسروقة،خاصة فيما يتعلق باستقلال القرار السياسي ونزاهة السياسيين ومردودية اللعبة ككل خاصة ما يتعلق بالديمقراطية التشاركية والحكامة والتنمية المستدامة والمحاسبة والبنية التحتية والعدالة الاجتماعية…،و ما يتعلق بوأد روح المواطنة  والمسؤولية والتضحية والجهاد ومسخ العديد من مظاهرها ودوافعها بين أوساط الأجيال الصاعدة من الأبناء والأحفاد، هذه الأجيال المتحررة التي لها واقعها الراهن الذي لا يرتفع ولا تريد – تحت أي مسمى كان وطنية أو هوية أو مرجعية حزبية أو غيرها- لا تريد رهن حياتها المحدودة المعدودة بمشاكل الماضي واضطراباته وحساباته وصراعاته ومزاعمه وزعاماته…، وكل ما لا يستجيب في الغالب لأدنى همومهم وعقدهم ومشاكلهم فبالأحرى اهتماماتهم وأحلامهم وتطلعاتهم،خاصة أنهم لا يضرهم في اعتقادهم ولا يضر الوطن شيئا أنهم أبناء عصرهم منفتحون على هوية دولية ومرجعية كونية لا يرون فيها غضاضة ولا استعمارا،ما دامت فرص الحياة في عولمتها أفضل وأسهل بل ربما أقصى ما يمكن أن يوفره الوطن الحبيب حداثة وتقنية وتواصلا وحقوقا…، ولكن ربما بعد هلاك الإنسان وفوات الأوان،لذا فجيوش جرارة من شبابنا المنفتح المتحرر لا يحلم إلا بالعيش عيشتهم المادية ولو في وطنه وعلى أرضه وبين أهله إذا لم تسعفه الإمكانيات والظروف بشد الرحال إليهم في أوطانهم (أوطان المستعمر) ولو عبر قوارب الموت في أعالي البحار؟؟. الجيل المحرر ضح بحياته من أجل حياة الوطن وبماله من أجل تنمية البلد وكان له عدو واضح وحركة وطنية جهادية واضحة المعالم والمنطلقات والأهداف .جمعت بين كل الأطياف في ملحمة الاستقلال ضد الاستغلال وقادتهم إلى النصر لا الهزيمة والاستسلام،واليوم عكس ذلك يظهر أن جيلنا المتحرر ربما قد خيب الآمال رغم كل رفضه البين وتمرده الفطري العام فهو لا يهتم إلا بحياته الخاصة وعلى حساب من كان حتى البلد،ولا يسعى إلا للمال والرفاه وبكل الطرق السهلة حتى الأنانية والوصولية، الوطن عنده كوني لا حدود فيه ولا جغرافيا ولا عقائد ولا مكائد، بل إن أعداء الأمس بالنسبة للإباء والأجداد عنده أصدقاء اليوم بل محررون لأجيال اليوم بمواثيقهم الدولية وعولمتهم الكونية، ولا داعي لاستمرار الصراع معهم ورفض مساعدتهم وتعاونهم خاصة تحت اسم معركة الاستقلال التي لا تنتهي،والتي يبدو من جانب آخر أن العديد من أبطالها بالأمس هم أنفسهم اليوم وبفعل الشيخوخة والفتور وتغير الأحوال قد وهن منهم العظم والعزم فوضعوا أسلحتهم وأنهوا معركتهم ولم يعودوا يهتمون إلا بأنفسهم وما يمكن أن يعود عليهم من التعويضات و المأذونيات وغيرها من الامتيازات طالما ناضلت الحركة الوطنية المجاهدة  ضدها ما لم تكن مستحقة وعامة على كل من يستحق ؟؟.

ملحمة الاستقلال للرعيل الأول المجاهد يا سادة ليست في اعتقادي ملحمة منتهية الصلاحيات ولا مشروعا تحرريا نهضويا متجاوزا قد فقد منطقه وبريقه،ولكن دوننا و ثمار دوحته الطيبة المعطاءة ما يرفع اليوم من شعارات  ضرورة تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد والاستبداد وتجديد النخب والسياسات و عقلنة الممارسات و تيسير الخدمات وتعميمها، إن مجرد الحرية الفردية حرية الرأي والمبادرة والانتظام،والتحام العرش والشعب في ثورة البناء والنماء والأمن والاستقرار، وحرية التنقل وممارسة الشعائر التعبدية والأنشطة الاجتماعية والسياسية كثمرة للاستقلال وحدها تكفي ولا تقدر بأي ثمن، ولكن رغمها لم يأتي المغاربة بالاستقلال مثلا ل”يبهدلوا” في الإدارات والمحاكم والمستشفيات أو يكون حظهم من التشغيل مجرد البطالة المستفحلة،وحقهم من الثروة مجرد الحملات  التضامنية المسعفة ومن الاستشفاء مجرد القوافل الطبية العابرة، أو كل بنيتهم التحتية إلى اليوم لا تفك عنهم الحصار والتهميش رغم الماء والكهرباء خاصة في العالم القروي،العالم المحروم من المرافق والخدمات الضرورية عقودا مضت ورغم كل المجهودات؟؟. ومن هنا فإن أول مجال ينبغي الاشتغال فيه دون كلل أو ملل ودق طبول الجهاد الدائم فيه دون هوادة أو تنازع وهو المجال السياسي بحمولته الديمقراطية والتنموية و الحكامة والعدالة الاجتماعية،هذا المجال الذي ينبغي تطهيره من كل هذا الإسفاف والفساد الذي ينخره على الدوام،ومن أجل ذلك لابد  أن يتسلح الفاعل السياسي  الجديد وهو المجاهد الأكبر في معركة الاستقلال الثاني بما يلي: 1- حظ من الاهتمام والمسؤولية // 2- زاد من الوطنية والصدق والإخلاص // 3- حظ من الاجتهاد والتطوير والتجديد بدل التقليد والجمود // 4- عقلية المساهمة والتعاون  بدل الاستفراد والإقصاء و الصراع // 6- تكامل المقاربات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها // 7- الديمقراطية والتنمية والحكامة والمحاسبة // 8- تحمل الدولة لمسؤولياتها الكبرى خاصة في المجالات الأساسية// 9- الاستقلالية والإنتاج  والعدالة والديمومة بدل التبعية و الاحتكار و الموسمية والاستهلاكية ؟؟.

وأخيرا كما يقال، إن الحروب تنشأ أول ما تنشأ في أدمغة الناس و أفكارهم أو على الأصح مصالحهم المتضاربة،وكذلك قبول الاستعمار أو محاربته ينشأ أول ما ينشأ في أدمغة الناس وأفكارهم،من هنا تحدث المفكر الإسلامي مالك بن نبىء عن الأفكار الميتة والمميتة والقابلية للاستعمار وبالتالي القابلية للتحرر منه،ولا أظن أجيالنا المتحررة اليوم أذناب الاستعمار و طوابيره الخامسة  إلى هذه الدرجة،ولكن ربما تجلت شخصيتهم الرافضة المتمردة و وطنيتهم المتجذرة الوقادة،إذا ما حدد خصمهم أو عدوهم الحقيقي خارج إطار الغرب مهما كان له من تاريخ الإساءة إلى أبائهم وأوطانهم،فتلك حقبة مضت لا نساوي فيها بين الجلاد والضحية ولكن لكل قوم فيها ما اقترف وله ما كسب،ولتكن معركتنا اليوم مع أنفسنا ومع واقعنا وهمومنا وأمورنا المعاصرة ونحن أدرى بها ومع بني جلدتنا من المسؤولين الجاثمون علينا بكل مخالب التراجع المهلك والتخلف المزمن، فكلنا إزائهما  من موقعه وبأسلوبه في حاجة جد ماسة وملحة إلى روح الاستقلال لخوض معركة التحرر والتنمية والنهوض فردية وجماعية وطنية وقومية منظمة وحاسمة ضد الجهل والفقر والحرمان والمرض والضحالة اللغوية والمتاهات الإدارية والانحرافات العقائدية والتعبدية والسلوكية والفرقة والتشرذم والاستلاب والاستهلاك والانتظار وغير ذلك كثير مما يكبل بحق حياة أجيالنا الحاضرة ويجعل الساعة مرة حنظلة، وهم المستنكفون عن التأسي بالرواد هنا والعاجزون عن اللحاق بالرواد هناك،كمياه النهر أرادت الارتشاف من مياه البحر هنيهة فغرقت فيها دهرا وطولا وعرضا،ا فلا هي بقيت نهرا عذبا حلوا فراتا ولا  هي أصبح بحرا مالحا  هادرا مرا أجاجا،فمن يحرر من ومن المحرِّر صاحب الاستقلال ومن المتحرَّر صاحب الاستغلال ؟؟.

                                                                                                                         الحبيب عكي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.