حرفا الواو و العين :  الفصل 6

admin
آخر الأخباراقلام حرة
admin9 يناير 2020
حرفا الواو و العين :  الفصل 6
عثمان عوي

حرفا الواو و العين :  الفصل 6

 

عثمان عوي

 

استيقظت ” تودة ” من غفلتها وقد اقبل عليها موزع الشواء لتنزع قطعة صغيرة وتنتظر عودته، الحدث نفسه مع الامام الذي عرف أن ذلك اكرام له وليست كجلسات الشواء المعتادة وبطقوسها المعلومة وقد علمه التكرار أن العشاء سيعد بأمان.

شربت الكؤوس الاخيرة من الشاي وأنشد الامام شعرا موزونا على عجل فسأل الشاب عن اسمه وابيه وأمه وأعاد نفس السؤال مع ” تودة ” ثم قال أتوافقين على الزواج بهذا الشاب؟ لم تقل شيئا بل نظرت الى ابيها فأومأ لها برأسه لكي توافق ، أعادت المشهد برأسها الصغير وقد احمرت وجنتيها وغالبتها الدموع ، لم يسأل الشيخ عن السن أو الوثائق الإدارية أو عمل الزوج أو المهر او الصداق لم يكن من الأمر الا أن أمر الشاب بإعطاء بعض النقود لتودة ، سحب الشاب ورقة نقدية من فئة عشرين درهما ووضعا في يد الشابة، ادارتها بين اصابعها و نظرت الى الصور و الرسومات وسلمتها لأبيها في صمت، قرأ الإمام الفاتحة و أقر بالزواج وبارك للعروسين وهم بالمغادرة، تبعه الأب و دس في جيبه تلك الورقة النقدية وذكره بالرجوع الى وجبة العشاء مع أسرته، دعا له الإمام بالحفظ وطول العمر وفساحة الأرزاق ثم انصرف .

غادرت ” تودة ” كذلك المكان لتجد أمها في الانتظار، قابلتها بابتسامة عريضة ورفعت من شأنها بكلمات متسارعة لم تترك مجالا للرد والتعبير، أنت الان يا ابنتي في مرتبة النساء، أنت امرأة كاملة متكاملة فكوني في مستوى ذلك، نظرت بعزم في عيناها ثم ضمتها الى صدرها وقالت لا تخافي بنيتي فقد مررنا كلنا بهذه المرحلة، لن تندمي على هذا الزواج ، هو مرحلة نقبلها و لنا بعد ذلك كل الاختيار ، هذا التذكير يستحق التوضيح لأن العنوسة او البوار تتربص بالعازبات دون الثيبات ، اذ البكر ثقل على الاسرة وزواجها الأول لا يناقش كلما جاءت الفرصة فهو غالبا ما ينتهي بانتهاء الأعراس  فتصبح الشابة مطلقة وذات قيمة، لها الوقت الكافي في اختيار من تحب، لا تحسب عليها الأيام كما تحسب للبكر، فهنا لا ينعت بالبوار الا البكر بعد منتصف عقدها الثاني.

علمت ” تودة ” أنها مرحلة من مراحل الحياة، مدخل للخروج الا فسحة ما بعد الطلاق، جلسات الحقول و تجمعات ما بعد العشاء، ليالي النسيج و الغناء و المرح، فترة تحبها كل النساء، يسمونها بالنزول من فوق الحمار و الركوب على الحصان،  فالزواج الأول للضرورة و الثاني للاستقرار، دخلت البنت في صور المسلسل ولم يوقظها الا صوت بعلها يطالبها بالماء الدافئ، نظرت الى الجهة الأخرى فوجدته قد نحر البهيمة و باشر السلخ فاراد تنقية الأمعاء، هذا العمل يحتاج الخبرة و لا يقوم به الا من رعا لسنين ، أول الامتحان الا يثقب الجلد لأنه سيكون موضعا للنضخ واعداد اللبن.

تبدأ الحفلة بعد المغرب حيث تحضر أسر العروسين و بعض الجيران، فهي مناسبة لإعلان الزواج وليس وليمة العرس، يجلس الذكور و الاناث في مكان واحد، يحضر الامام وزجته ،  بيت يضاعف طوله عرضه، مكان لإعداد الشاي بكل لوازمه، و في ركن من البيت مائدة عليها أحشاء البهيمة حيث يعمل الرجال بإتقان لشوائها  لا يسألون عن جنس البهيمة شاة كانت أو خروفا او من المعز، لم يكن ذلك شأن النساء فهن يوقدن على الفحم ويقربن الأدوات من الرجال ويتكلفن بطعام العشاء الذي يكون كسكسا مكسوا باللفت المحفور، عندما تحضر الدوارة ” أحشاء البهيمة ” تحضر الفرحة و يستعد الجميع، لابد من اخبار الجد خصوصا قبل المغيب و الا نقصت قيمة الفرحة، يحكى أن جدا امتنع عن تناول حصته من الدوارة اذ لم يعلم بوجودها الا أن بدأ التقطيع ، يكرر صاحب المنزل تأكيده على طهي كل شيء، يبدأ المحترفون بعزل الكبد و الرئتين فتشوى على النار الهادئة او تغلى في الماء، يقطعون القلنسوة وأم التلافيف و الكرش ويلفونها على حبات من الشحم الغليظ، ترسل الى المجمر الملتهب الذي لا يبعد عن البيت فهو ينتج دخانا طالما يملأ البيت فلا ترى الا من بجانبك، يأتي دور الكبد والرئة فيلف حولها شريط من الشحم الرقيق، يأمر أحدهم من بجانب المجر بالرش على اللهيب بالماء لكي لا يحترق اللحم، يوزع كل ذلك بالتساوي بين الرجال و النساء و الأطفال فكل واحد ينتظر دوره لأخذ قطعة واحدة في دورة يقوم بها الموزع داخل الغرفة ، يتفرغ احدهم بعد ذلك الى الأمعاء فيلفها باتقان حول البقايا ليعد منها قطبانا متراصة من اللحم ” امدهدان “. ينتهي كل ما على المائدة، كل شيء موزون، يوزع الشاي للمرة الرابعة او الخامسة فيؤتى بإناء خشبي كبير مملوء بالكسكس و اللفت وقليل من اللحم، يعاتب صاحب المنزل زوجته عن عدم  تقديم العشاء في طبقين فتقول لا بأس سنأكل بعدكم ولا ضير.

بدأت موسيقى الملاعق وجنبات الاناء الخشبي تملأ الغرفة وتمتزج بنبرات النساء وضحكاتهن ومن حين لآخر صوت الخطى وهمسات ذكورية من وراء النوافذ، هم شباب ينتظرون شيء أخر غير العشاء، قد فهم العريس من هناك ولماذا هذا الحضور، تذكر أياما خلت وعلم بكل حيثيات الأمور …

يتبع

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.