ماهية الحب، أو في فلسفة الحسن والجمال

admin
2020-01-08T17:02:41+01:00
اقلام حرة
admin8 يناير 2020
ماهية الحب، أو في فلسفة الحسن والجمال
عبد الحكيم الصديقي

يُروى أن قيسا واعد ليلى ذات ليلة خارج البلدة، فأشعل النار حتى أصبحت جمرا، وأقبلت ليلى بحسنها وجمالها وجلست أمامه والجمر من خلفه، تبادلا وقتها بعض أحاديث الحب والغرام .. حادثها بعذوبة ورقة، فتبسمت له وكأن ضوء البدر أشرق من ثغرها فَذُهِل قيس عن نفسه، واتكأ للخلف وهو ينظر بكل شَغفٍ إليها، حتى نَبَّهتهُ لرائحة شيء يحترق، فإذا به كان متكأ على الجمر الذي أوقده، ولم يشعر بألم إحتراقه واكتوائهِ لِفيضانِ مشاعر العشق بقلبه وروحه إلى درجة الجنون، فـ”ما الحب إلا جنون” كما قال شكسبير.

ويُقال أنه لم يلمِسها مرة في حياته، وكان شديد الغيرة عليها، فلا وجود لفكرة الجنس أو الميول الغريزي الجنسي في هذه العلاقة. وهذا ما يسمى بالحب العذري، حب باطني خالص منزه عن الجنس .. فهل كان حب قيس لليلى توق للجمال بوصفه غريزة في الإنسان للاتصال بالجمال والخير المطلق؟ أم لأن الحسن والجمال ذاتيان في ليلى؟.

سقراط كان يرى أن الحب هو توقٌ للجمال وليس للجميل، فحب قيس لفتاته الحسناء الجميلة ليلى هو في الحقيقة حب للحسن والجمال الذي تجسد في شخصيتها، وليس بها هي، فللإنسان توقٌ فطري لعناق الجمال والخير المطلق، ولما كان من المتعذر على المرء بلوغ الجمال المطلق الكامل، فإنه يمضي في رحلة بحث لا نهائية عن قيم الجمال في الطبيعة والأشياء والبشر.

شوبنهاور على عكس ذلك لا يرى في الحب من دافعٍ سوى غريزة الجنس والتناسل وهي إحدى آليات إرادة الحياة، فإرادة الحياة هي التي تحرك جميع الكائنات في صراع من أجل البقاء، فهي تدفعك لتوفير مستلزمات الحياة وتحقيق الرغبات والتمتع بالملذات، والحب حسب شوبنهاور شعور غريزي تحركه الرغبة الجنسية كإحدى آليات إرادة الحياة، فهي تقود الفرد إلى إنتقاء الأجمل والأفضل بقصد إشباع غرائزه، مما يحفظ ديمومة النوع الإنساني، فلسفة الحب عند شوبنهاور تلغي توق الإنسان إلى الجمال المطلق، إلى المثال، وتربطه بالعزيزة والتناسل والصراع من أجل البقاء، فهو حب جنسي مادي يقف في وجه الحب العذري المثالي..

هناك أسطورة سردها المسرحي الساخر أرستوفانس حين تساءل سقراط عن ماهية الحب في السمبوزيوم وهو التجمع الذي كان يتحاور فيه الفلاسفة والمثقفون الإغريق، تقول: كان الإنسان على هيئة روحين بجسدين ملتصقين، يتحاوران ويتنادمان ويمارسان الجنس مع بعضهما، أثار ذلك غيرة كبير الآلهة “ِزيُوسْ”، فقسم الإنسان إلى شطرين، ومنذ ذلك الحين والإنسان يبحث عن شطره الآخر في تجارب حب لا تنتهي.

رغم غرابة هذه الأسطورة إلا أن دلالتها الرمزية ما زالت معاصرة، فمعظمنا يعتقد أن الإنسان يبحث عمن يشاطره ميولاته النفسية والفكرية والغزيزية فيتخذه حبيبا، لكننا نختلف في اعتبار الحب والجمال قيمتان زيوسيتان يتوق الإنسان إلى اعتناقهما، أو في اعتبارهما الدافع وراء البحث عن الشطر الآخر لإقامة العلاقة الجنسية والتكاثر لبقاء استمرار النوع الإنساني، والهاجس وراء ذلك هو إرادة الحياة..

فإلى أي الفلسفتين تميل؟
هل حبك سقراطي النزعة أم شوبنهاوري الدوافع؟

المصدرعبد الحكيم الصديقي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.