“تاقرفيت” ميزة القبائل الأكثر انفتاحا بالجنوب الشرقي

admin
آخر الأخبار
admin12 يناير 2015آخر تحديث : الإثنين 12 يناير 2015 - 9:19 مساءً
“تاقرفيت” ميزة القبائل الأكثر انفتاحا بالجنوب الشرقي

هذه الظاهرة المسماة تقرفيت استمدت اسمها من مفهوم مركب من ثلاث كلمات، وإذا جزءناه بغية فهمه سيكون كالتالي تا=هذه، اقرف=بارد، يت=واحدة، وبعد تركيبه ستكون ترجمته الحرفية بهذه الصيغة هذه واحدة يتردني وهنا إشارة إلى الانخراط في هذا الفعل المسمى تقرفيت كمسرح للتبريد، ولها عدة معاني ودلالات لا يمكن حصرها في معنى بحد ذاته، لكن المتعارف والمتفق عليه رمزيا هو الكلام والمحادثة من أجل الاستئناس وتبادل الأخبار وفتح الباب للمدح والهجاء كنوع من المناظرة بالكلام، بالشعر بالنكتة والقصة، بالحكي وسرد التجارب الشخصية في العشق وفي الزواج، والتوغل في كل الطبوهات الغير مسموح الحديث فيها في النقاشات العادية.

ففي مسرح تقرفيت تختفي الموانع والقواعد ليتم الاحتكام لأعراف أخرى، كشعار “تكلم بفمك ودع يدك جانبا،” سيول سيمي تطفتأفوس “، لأن الغاية الأهم من ممارسة الظاهرة هي الخروج من دائرة الصمت والتحرر من المكبوتات والعقد بالكلام والضحك والاستهتار الخفيف وإطلاق اللسان بحرية في حدود المتخيل مع عدم تجاوز الحدود الرمزية المتعارف عليها داخل القبيلة .

من ناحية أخرى، فهي وجه للثقافة الشعبية لدى القبائل اليفلمانية، إذ لا تخلو من الابداع الأدبي كالغزل، والمدح والهجاء ونوع من السفسطة كتقنية للتلاعب بالكلمات يسمونها “البرهان” إذ لا بد منها لخلق نوع من التهريج بتحريف كلام المتحدث وإعطائه دلالات جنسية وتوريطه بإقحامه في الطابو، ليبحث هو الأخر عن ثغرة في حديثك ليرد لك الصاع صاعين، ففي الأعراس والاحتفالات ومواسم الحرث والحصاد تنتعش ظاهرة تقرفيت بشكل مكثف، تجدها في الحقول، أو ساحات جمع المحصول الزراعي “إنورار” “إمي نغرم””أساكم” “إرنوسيف” إذ تفسح هذه القبائل المجال لشبابها إناثا وذكورا، للحديث أمام الملاء بكل طلاقة واقفين أو جالسين، أو مترافقين أمام أعين آبائهم وأمهاتهم، وتفرح الأمهات لأن بناتهن قد كن في حديث مع الشاب في الغالب يكون مقبل على الزواج فيقمن بترشيدهن للمزيد من الاستفسار حول مسائل معينة قد تفيد في معرفة كنه الآخر والتقرب منه، لأنه في الغالب تلك الجلسات والمحادثات تنسج علاقات الحب واختيار الشريك المستقبلي، هذا وليس واجبا بالضرورة أن تكون المحادثة بين فردين فقط، إذ مفهوم تقرفيت ينال ما يستحقه كظاهرة عندما يتجاوز العدد فردين إلى ثلاث أو إلى أربع وقد يصل عشأكثر من ذلك، إذ كلما كثر العدد ثم إغناء الجلسة بمواضيع وقصص تمنح المزيد من الضحك والمرح والترويج عن النفس.

وباستحضار القاعدة العرفية الأولى التي تقول “تكلم بفمك ودع يدك جانبا”، فإن القاعدة الثانية تدعو إلى ممارسة الطقس في أماكن عامة مكشوفة لكل الناس، لتكون الظاهرة مقبولة تملي الجماعة حدوثها على مرآى كافة الناس رجالا ونساءا، إذ يسمح القيام بها حتى بمحاذاة المسجد لتنال الاعتراف والرضى من قبل الجماعة كلها، الكل يتساهل في ممارستها لتتم دون إنزواء أو اختلاء.

أما القاعدة الثالثة فترى أن الوقت المثالي هو من صلاة العصر، إلي قبيل آذان العشاء، لكن لا تمنعها في الأوقات الأخرى من النهار، لكن المستحب هو تلك الفسحة المسائية التي تكون فيها الفتيات قد انتهين من الأعمال البيتية والذكور قد عادو من الحقول بعد قضاء اليوم كله في الكد والعمل.

هكذا يكون مفهوم تقرفيت رسما آخر لمعلمة الثراث الشفوي الشعبي عند القبائل الأمازيغية اليافلمانية بالمنطقة الجنوبية الشرقية، خاصة وأنه يحمل عدة دلالات اجتماعية ثقافية وحتي سياسية، إذ الغاية الغير مكشوف عنها من شرعنة هذا الطقس هو خلق التوازن وإحداث تكافل بنيوي علائقي بين أفخاذ القبيلة الواحدة بالمصاهرة والمجاورة وتمتين علاقة القبيلة بالقبائل المجاورة كذلك بعلاقات الدم والمصاهرة ضمانا للسلم والانسجام ودرءا للنزاعات.

ذة. خديجة فضائل

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.