حكاية إمام غيور من الجنوب

admin
2019-12-10T11:15:38+01:00
اقلام حرة
admin10 ديسمبر 2019
حكاية إمام غيور من الجنوب
الحبيب عكي

حكاية إمام غيور من الجنوب

 

 

         يحكى أنه عندما دخل المستعمر الفرنسي إلى المغرب، وما أن بدأ يحكم قبضته الحديدية على البلاد، وما أن بدأت تصرفاته القمعية الرعناء تخنق العباد، و تتمظهر على عكس ما ادعاه من الحماية والمساعدة على التمدن، وخاصة تلك التصرفات التي تفننت في الضرب السافر في الدين الإسلامي ورموزه والهوية الوطنية وأبعادها، وإظهار كل ذلك بمظهر التخلف الذي حاول المستعمر الغاشم رفضه وفرض عاداته الغريبة بدلها وبقوة السلاح؟؟، ما أن وعى الإمام الخطيب بهذا المخطط الاستعماري الذي يهدد الوطن والمواطنين، ويرهن حاضرهم ومستقبلهم في أتون ثقافة وسياسة استعمارية تصادم هويتهم وكينونتهم و إجماعهم على ملكهم و وحدتهم، حتى عاد الفقيه الإمام إلى بلدته في الجنوب وعمل إمام مسجد في مدشره، يجمع أطفال منطقته ويحفظهم القرآن في المسجد ويعلمهم العلوم الشرعية في مدرسته العتيقة التي أسسها بمعية المحسنين؟؟.

 

         امتلأت المدرسة فعلا بالطلبة “المرتبين” المحليين والوافدين من القصور المجاورة، وأمن لهم في نفس الوقت المؤونة والإقامة والدراسة، يحفظون القرآن الكريم ويدرسون العلوم الشرعية.. من حديث نبوي شريف وسيرة عطرة.. ومتن لغوية وفقه ودعوة وفن خطابة..، ولم تمر شهور معدودة حتى تضلع الطلبة في إتقان ما درسوه، وسهر الإمام على إرسالهم ل”الشرط” في العديد من مساجد المنطقة التي كانت تشكو الفراغ والهجران، فأخذوا يصلون بالناس الرواتب والجماعات ويخطبون فيهم الأعياد والجمعات، ويعلمونهم ما صح من الدين و ويبصرونهم بما طغى من الخرافة وبهموم الوطن وتحدياته وحقيقة المستعمر وجرائمه، و يحرضونهم على مقاومته وجهاده، مما كانت منه حركة جهادية عارمة ضد المستعمر، انطلقت من الجنوب والتفت بالحركة الوطنية المباركة، ولم يهدأ لها بال حتى خنقت أنفاس المستعمر وطردته مندحرا من البلاد؟؟.

 

         واليوم، وبعد كل هذه الدعة والتراخي والصراعات الإيديولوجية العالمية العلنية والخفية وما نتج عنها من انحراف في السياسات المتعاقبة، أصبحنا نعاني جرائها من معضلات خطيرة تهدد حياة الوطن والمواطنين في القيم والأخلاق وفي الهوية واللغة، الأمية والبطالة والعنف والتطرف والإدمان والهجرة..، أفلا يليق بكل الأئمة والفقهاء أن يكونوا مثل فقيهنا وإمامنا في التربية والتعليم والدعوة والمقاومة والإصلاح؟؟، ألا يمكن أن يفعلوا مساجدهم وفق القوانين واختيارات المغاربة في التدين الوسطي المعتدل، أو يؤسسوا لهم مؤسسات وجمعيات للفعل التربوي والاجتماعي، لا يمكن أن ينتج عنها في الأول وفي الأخير إلا تقدم الوطن وتلبية احتياجات المواطن، إذا صلحت النوايا والأفعال؟؟. لصالح من كل هذه القيود المفرطة على الفقهاء والأئمة والأساتذة والعلماء؟، بل لصالح من كل هذا التشويه الذي تتعرض له هذه الفئات وكل ما يتصل بها أو بما ترمز إليه من التدين الذي طالما تفننت الصحافة والأدب و السينما والإعلام في تشويهه والنيل منه؟؟.

 

         لا نهضة ولا معالجة لمعضلاتنا التربوية والاجتماعية إلا بتحرير الفقهاء والمساجد، نعم في إطار وحدة المذهب والنموذج الديني الوسطي المعتدل، وفي ظل الإجماع الوطني، ولنا نموذج في الحركة الإسلامية المعاصرة التي حررت فهمها وفكرها وممارستها من كل هذه القيود السالفة الذكر، فاندمجت في المجتمع تفعل وتتفاعل كطرف مدني ولكن بمرجعية دينية وفي ظل الاختيارات الفقهية السابقة والإجماع الوطني، فحاربت في صفوف شبابها وغيرهم من المواطنين فكر البدعة والخرافة وصلافة التطرف والإرهاب، ورسخت فيهم روح المواطنة والاستقامة والمبادرة، وساهمت في التنمية من موقعها بالعديد من أعمالها التربوية والاجتماعية والفكرية التي لها قبول واسع لدى مختلف الفئات والفاعلين في المجتمع؟؟. لا ينبغي للهواجس من أي نوع أن تقيدنا وتفوت علينا الكثير من أعمال الخير مجتمعنا في أمس الحاجة إليها، ومن هذا المنطلق فالمسجد لا يمكن أن يكون إلا مسجدا أو لا يكون، جزء من الحل لا جزء من الإشكال.. والفقيه لا يمكن أن يكون إلا فقيها أو لا يكون، مفتاحا للخير مغلاقا للشر؟؟.

 

         وفي الأخير، لماذا كل هذا الحجر على الفقيه الإمام كأنه ليس مواطنا أو لا يهمه أمر المواطنين، لماذا يتعرض هذا الكائن دون غيره لكل أنواع الترهيب والتعسف، فهذا يمنيه بالتعيين .. وهذا يهدده بالعزل.. وهذا يطمئنه بالاستقامة.. وهذا يهدده بالوشاية.. وهذا يريد منه تحمل جميع أصناف الناس، من يريد تعجيل الصلاة وغلق المسجد، ومن يريد تأخيرها وفتحه، ومن يريد.. ومن يريد.. وهذا ينتظر من خطبه مواكبة مواضيع العصر ومستجدات الحياة.. و هذا يمنع عنه السياسة والترشيح والخوض في الانتخابات.. وهذا يستكثر عنه حتى رخصة المرض والدراسة والإجازة.. وحتى أبسط غياب لمعايدة الأهل في المناسبات والأعياد.. وهذا يستكثر عنه أبسط السفر في الداخل أو الخارج.. أو الاستمتاع في الصيف كغيره من الناس ببعض البحر والتجوال.. وهذا.. وهذا.. وهذا يمنع عنه الاحتجاج ضد إجحاف الوزارة في شوارع الرباط، ويصر على “بهدلته” من طرف الجميع وعدم الإصغاء لمطالبه حتى لو تعلق الأمر بأبسط متطلبات الحياة التي تتوفر للجميع، أو فقط بمرافعة لصالح مسجد غني بالأوقاف ولا يملك دلاء للوضوء ولا حصائر للصلاة.. فبالأحرى .. وبالأحرى..؟؟، وننتظر من أمثال هؤلاء تبليغ الرسالة التي جاءت هدى و رحمة للعالمين، ارحموهم فالراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموهم فالمرحومون وحدهم من يقودون حركة الوعي والنهوض كفقيهنا الإمام الوطني المجاهد في الجنوب و في الشمال؟؟.

المصدرالحبيب عكي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.