حرفا الواو و العين : الفصل 1

admin
2019-12-04T21:02:53+01:00
اقلام حرة
admin4 ديسمبر 2019
حرفا الواو و العين : الفصل 1
عثمان عوي

حرفا الواو و العين :  الفصل 1

ولدت ” تودة حساين” بمنطقة جبلية صغيرة يصعب تفسير سبب استقرار أهلها بها، فلا مجال للفلاحة، و لا عقار يجذب الاستثمار، لا ترى إلا مدرجات صغيرة نحتها الصبر و اليقين و حب المجال، لا يستهويك في هذا الربع من الكون إلا حسن الضيافة و الاستقبال، ربما هذا ناتج عن نذرة الضيف و عابر السبيل فالمسالك وعرة و مآرب المسافر لا تجد مكانها بين تضاريس تعجز الجغرافيا الطبيعية عن وصفها.

لم تعرف شيء عن الحياة و معلمتها الوحيدة هي أمها التي ربتها بميزان المجال و معارفها المحدودة كذلك، فلم تعمل إلا على نقل ثقافة الأجداد و ما زاده شقاء الزمن و مكر الماكرين، كانت الأم هي المرجع الوحيد لنجاح البنت، فقد كانت تودة تعيد مهام و أشغال أمها وهي تلعب بوسائل أنجزتها أناملها الصغيرة من مواد لا علاقة لها بالبيع و الشراء.

تودة الحسناء تلك البنت الرشيقة بجمالها الخاص، الحناء يتفاعل مع الشعر الأسود، حروف الانجذاب تجدها بين ثنايا الجلد الخشن بفعل البرد وماء مشبع بالمعادن الثقيلة،

تودة تكره اسمها لدلالته و مرجعية اختياره، سماها أبوها كذلك انتقاما من أمها التي أنجبت الكثير من البنات ، تودة تعني كفى ، كفى من البنات فازدياد البنت يجعل الام تعيش فترات عصيبة ، أول ما يقول الاب للتهنئة ” وضعتها مرة أخرى ” و ينصرف لبترك الجرح غائرا ، نساء القرية يباركن كالمعزيات .

بدأت تودة تكره أخاها الصغير  ” زياد” لا شيء الا لأسمه الغريب المناقض لاسمها اللعين ،علمت أن للاسم دلالة و معنى ، الرغبة في الذكور دون الاناث.

لم تعرف تودة معنى الزواج ومعاشرة الغير، كان انتقالها من بيتها الصغير وترك أدوات لعبها وصديقاتها حدثا بلا معنى، كانت معالم الانوثة شبه غائبة وهي تسمع النصائح من سابقاتها ومن الام والعمة والخالة، تريد أن تستفسر عن أمور شتى لكن بلا منال، لا شيء الا الامتثال وحفظ كرامة الاسرة والعائلة، سبق وأن سألت أمها ذات يوم ما الغرض من الزواج ولماذا سأغادر بيتنا وإخواني وأخواتي لأعيش مع الغرباء؟ هل أثقلت كاهل أبي بمصاريف الأكل واللباس، أتركوني معكم أصوم وألبس الرث من الثياب، هل تكرهونني وأردتم التخلص مني؟ 

هل سأنام وحيدة أم ستأتي أختي لتنام معي؟ سؤال أحرج الأم لكن لابد من مواجهة الواقع المر.

وصلت تودة في حفل بهيج الى منزل غريب لتعيش عيشا حرمها كل شيء حتى لعبها التي أحكمت ترتيبها و حجبها في ركن السقيفة تحت كومة من اواني الفخار القديمة التي لن ترمى ولن تستعمل الى الابد. أخذت الطفلة الصغيرة وقتا لتودع كنزها و أطالت الحديث لتقول كل شيء لعروسات صنعت من كراع الشياه و بقايا مناديل سلمت من أيادي نساجات محترفات في التدوير و إعادة الاستعمال.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.