درعة تافيلالت،ثلاثة مجالس وثلاث مقاربات مأزومة

admin
2019-11-24T13:38:45+01:00
اقلام حرة
admin24 نوفمبر 2019
درعة تافيلالت،ثلاثة مجالس وثلاث مقاربات مأزومة
الحبيب عكي

حضرت هذه الأيام،مجلسا قضائيا بعاصمة الجهة بالرشيدية،كان يحتضن أطوار محاكمة ساخنة لأحد أبرز الحقوقيين المناضلين ضد التطبيع بالمنطقة وعلى الصعيد الوطني،كانت القاعة متوسطة ومملوءة بالعموم من الحاضرين،يتوسطهم في كل مكان رجال الحراسة والأمن بزيهم المدني والخاص،وعلى المنصة السيد القاضي وكاتب الضبط و ممثل النيابة العامة،وأمام المنصة فريقي دفاع ومحاميي المتقاضين،محامين من كل صنف  مع وضد على كف من يشيل،كما امتلأت القاعة ببعض الفعاليات الحقوقية والمدنية بالمدينة. بيت القصيد عندنا هو ما كان يبدو من السلطة المطلقة للسيد القاضي وهو يقود أطوار المحاكمة،فيعطي الكلمة لمن يريد و يسحبها ويمنع من الكلام من يريد،ويفرض على المتهم التحدث فيما يريد و كيفما يريد،مما يخلق عنده اضطرابا وارتباكا وكأنه مدان حتى قبل منطوق الحكم فيه،ويقبل القاضي رأي واعتراض من يريد ويرفض ذلك ممن يريد،اتهاما كان أو دفاعا،فردا كان أو جماعة،في الشكل كان أو في المضمون،ومن سلطته المطلقة كان السيد القاضي وكأنه يقود محاكمتين في نفس الوقت،محاكمة أمام المنصة وأخرى داخل القاعة،وفي هذه الأخيرة أخرج من القاعة رجلا كان يعبر على اختيارات القاضي بمجرد ملامحه يفكها ارتياحا أو يقبضها امتعاضا،وأخرج رجلان كانا يتهامسان ربما على نفس القرارات،وأخرج سيدة من العياء اتكأت على كرسي أمامها،وأخرج..وأخرج..،وكان كل الحرس والأمن في خدمته وتنفيذ أوامره دون نقاش أو تردد أو تأخير،قضاء استعجالي لا تستعجل غيره من قضايا الشعب المزمنة والمعمرة،تحوير القضية عن جوهرها التطبيعي المدمر إلى مجرد أعراضه الشكلية في الضرب والاعتداء المتبادل،وفي الأخير اتخذ القاضي رأيه رغم رأي المحامين المخالفين له وضمنهم بعض النقباء،على قول الشاعر- حاشا لله – :”ما شئت لا ما شاءت الأقدار/// فاحكم فأنت الواحد القهار”؟؟.

وأتذكر أيضا،والشيء بالشيء يذكر،وأنا أياما مضت كنت أتابع عبر الفايسبوك النقل المباشر لمجريات دورة أكتوبر لمجلس جهة درعة تافيلالت بنفس المدينة بالرشيدية،وهو بالمناسبة المجلس الوحيد الذي ينقل أشغال دوراته للعموم ضمانا للشفافية والحق الدستوري في المعلومة،ولكنه مجلس على النقيض من المجلس الأول تماما،رغم أنه مرشح لتنمية كل الجهة وفي مختلف المجالات وهي مهام أكبر،ومرشح لمحاكمة وتوقيف كل الفاسدين والمعرقلين والمشوشين ومحاربتهم وفق القانون وهي محاكمة أكبر وحرب أخطر؟؟،ولكن مع الأسف كان المجلس على حد قولهم:..”هي فوضى”؟؟..هي خرق القانون وازدراء أحكام القضاء..هي عدم امتثال أوامر السلطة..هي محاولة انتزاع السلطة ذاتها ممن منحته إياها الساكنة..هي تدخلات سافرة ومنحازة لسلطة الرقابة..هي انحراف من التعاون على المصلحة العامة إلى التطاحن السياسوي بين الأحزاب وتصفية الحسابات بين الأشخاص،هي برمجة نفس البرامج المعطلة في الدورات السابقة لنفس الأسباب..هي في الخلاصة تعطيل تنمية الجهة ومصادرة انتظارات الساكنة بدون موجب حق..هي تشويه صارخ للجهوية الموسعة  و توجيهات جلالته السامية بصددها..؟؟،و ربما لولا استماتة رئيس الجهة و وقوفه المشرف في وجه البلطجة والطوفان..ولولا بعض المشاريع المتميزة التي استطاع وأغلبيته السابقة انتزاعها..كفتح المطارات في الحواضر و شق الطرقات في العالم القروي ومكسب تعميم النقل المدرسي وتوقيع الشراكات وجلب الاستثمارات..لصلينا الجنازة على شيء اسمه الجهة والجهوية فبالأحرى الجهوية الموسعة؟؟.

والشيء بالشيء يذكر،لازالت درعة تافيلالت تئن – مع الأسف – تحت سياسة المغرب غير النافع،”ولو طارت معزة”،ويبقى تغيير الحال من المحال،كما تعبر الساكنة عن ذلك في مختلف الدوائر بكل مرارة:”لا والي لا باشا…الجهة مهمشة”؟؟، ولازالت درعة تافيلالت تئن تحت وطأة مجالس ومجالس..مجالس إقليمية لا حس لها ولا خبر..ومجالس جماعية بالاسم لا بالمعنى،ومجالس قطاعية لا حسيب عليها ولا رقيب،ولا أحد يعلم ببرامجها ولا مواعيد اجتماعاتها ولا مخرجاتها،وكأنها مزارع خاصة غير ملزمة بذلك؟؟.ولئن نسيت فإني لا أنسى مجلس الولاية الذي بدأ يشعر الناس وكأنه الضيف الثقيل على الجهة وما بدأ يظهر من مشروعه المجهول..وكأنه مجلس المجالس..وحزب الأحزاب..وجهة الجهات..ومحكمة المحاكم..وقاضي القضاة..وإن لم ينتخبه أحد ولا تقاضى لديه متقاضين؟؟.بل الأدهى والأمر أن يحن على ما يبدو إلى عهد الوصاية غير المأسوف عليها،وكأن غيره من أبناء الجهة قاصرون ولا يعرفون من شأنهم اختيارا ولا قرارا؟؟،والأدهى والأمر أن يحن على ما يبدو إلى شعارات بئيسة قطع المغرب معها منذ زمان كشعار:”كل ما من شأنه”وللمجلس شأنه ولا ينبغي أن يكون لأي مجلس جماعي أو جهوي شأن غير شأنه وكما يراه؟؟.أين نحن من تلك العهود الخوالي في المنطقة وما كانت مفعومة به بدرجات أو بأخرى من سياسة القرب والانفتاح..والحوار والإقناع والمشاركة والتعاون والإبداع..من الثقة والأمن وطيب المعشر بتقاسم “الطعام والملحة” بين الجميع سلطة وأغلبية ومعارضة ومجتمع مدني؟،..أين  تثمين العنصر البشري فخر الجهة وكم نهمش من طاقاته الغيورة ونعطل من قربها ومشاريعها؟،أين التوجه العالمي اليوم والمتمثل في الاحتفاء بالتراث اللامادي كضرورة الثقة والمواطنة والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان؟،أين المقاربة التشاركية مع المجتمع المدني وأين دعمه المعهود؟،أين التعاون مع غيره من ممثلي الجهة ومجالسها والفاعلين..؟،أين الإرادة الشعبية والالتقائية بدل الانتقائية..؟؟،إلى غير ذلك مما يمثل اختياراتنا الوطنية الواضحة وحواملنا التنموية ومداخلها الجهوية الراسخة؟؟.

أنا لا أشك ولا أتهم ولا أحاكم النوايا ولا حتى التصرفات الرعناء من أي طرف كانت – فرعونتها كفيلة بها،ولا يصح إلا الصحيح- بقدر ما أستغرب وأتأسف وأتساءل كغيري من المواطنين،كيف بكل هذه المجالس المتضاربة والمتشاكسة في جهة واحدة أن تؤدي مهمتها التنموية فبالأحرى أن تتعاون على ذلك؟،أي خيط ناظم يربط بينها وهل يمكن لهذه المهام الجهوية التنموية النبيلة أن ترتبطا أصلا بكل شيء من أقصاه ألإنجازي الميداني القانوني المسؤول إلى أقصاه السياسوي الانتخابوي الحساباتي العبثي؟،سلطة مطلقة وربما مقاربة أمنية قاصرة؟،وسلطة تمثيلية شعبية ومداولات فوضوية معرقلة؟،و رقابة أو وصاية سلطة تعيين فوقية لها من حساباتها ما لها مما لا يفهمه قطار التنمية ذاته فبالأحرى شرعية من الشرعيات الانتخابية أو إرادة من الإرادات الشعبية..؟؟،هل تتجه الجهة بعد كل هذا نحو نموذج تنموي من النماذج المتعثرة في الشمال أو الجنوب؟،هل ستتولى تسييرها عفاريت وتماسيح كائنات آلية رغم أنف المعبر عنه من إرادة الساكنة وتوجهات الجهوية الموسعة؟؟،وإلا فلمصلحة من يعرقل مجلس جهة درعة تافيلالت الفتي ومن يعرقله في الحقيقة؟؟،..لماذا لا يؤشر فيه على مشاريع وشراكات جماعات ترابية بعينها كما تشكو بذلك؟؟..لماذا لا يتدخل في حل مشاكل جماعات أخرى أعيت ساكنتها المسيرات والاحتجاجات المزمنة دون جدوى؟؟،بأي حق دستوري توقف دعم جمعيات المجتمع المدني ويضيق عليها في أنشطتها وتغمط في حقها الدستوري حول المقاربة التشاركية،في عهد تنافس السياسات المحلية والجهوية وغيرها،أيها أجدى في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار؟؟،أين نحن من شعارات المناظرات الوطنية للجماعات الترابية كالتنمية والتشارك والتضامن والتطابق واللامركزية واللاتركيز والانفتاح والحكامة الجيدة..؟؟،وهل بديل كل هذا ما قام به سيادتهم من تدشين منتزه على مشارف بلدية كل أزقتها محفرة بشكل فظيع تشكو إلى ربها كل المسؤولين من أقصاهم إلى أقصاهم..وكل البلديات وكل الجهات وكل الكون يشكو معها..وإلى الله المشتكى؟؟.

 

المصدرالحبيب عكي - تنغير انفو

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.