جدل الفكر والمادة في طرح محمد شحرور

admin
2018-07-02T09:56:11+01:00
اقلام حرة
admin2 يوليو 2018
جدل الفكر والمادة في طرح محمد شحرور
عبد الحكيم الصديقي

المتتبع لفكر محمد شحرور يمكنه الوقوف على إشكالات جوهرية تتعلق بالأسس التي بنى عليها أفكاره، هذه الإشكالات يمكن حوصلتها في غياب نسق فلسفي متكامل، والمقصود بالنسقية هنا هي الإطار الفكري الكامل أو الموقف المتكامل الذي يفسر فيه المفكر أو الفيلسوف ما يلج عليه من تساؤلات واهتمامات.

والنسق في شكله العام هو الربط والجمع للافكار بعضها ببعض في وحدة مترابطة، ومن هذا المنطلق يمكن أن نقول إن الفلسفة النسقية هي تفكير منظم وفيه أفكار مترابطة.

فالمفكر يتناول موضوعات متعددة كالوجود والمعرفة والقيم في بناء فلسفي ينبغي أن يكون واضح المعالم وأن تكون مفاهيمه مضبوطة، والانسجام حاصل بين هذه المفاهيم. بحيث يكون موقفه من نظرية المعرفة ينسحب على موقفه من نظرية الوجود وكذلك الأمر بالنسبة لنظرية القيم، مما يوحي بنوع من الاتساق الداخلي في الأسس النظرية التي قام عليها طرحه، والخالية من التناقضات والمفارقات والمغالطات المنطقية، وهذا ما لا نجده في مشروع محمد شحرور، وكمثال على ذلك نورد من طرحه ما يلي:

يرى محمد شحرور أن: «مشكلة الفلسفة الكبرى هي تحديد العلاقة بين الوجود في الأعيان وصور الموجودات في الأذهان» (الكتاب والقرآن، ص 30-31)

في هذه المقدمة الفلسفية يتحدث محمد شحرور عن علاقة المادة بالفكر، أو ما يعرف بالمعرفة القبلية في مقابل المعرفة البعدية، وينطلق في تحديد هذه العلاقة من أن مصدر المعرفة الإنسانية هو العالم المادي، أي أنه يتبنى مقولة المعرفة البعدية، يقول شحرور:

«العلاقة بين الوعي والوجود المادي هي المسألة الأساسية في الفلسفة، وقد انطلقنا في تحديد تلك العلاقة من أن مصدر المعرفة الإنسانية هو العالم المادي خارج الذات الإنسانية، ويعني ذلك أن المعرفة الحقيقية وغير الوهمية ليست مجرد صور ذهنية، بل تقابلها أشياء في الواقع؛ لأن وجود الأشياء خارج الوعي هو عين حقيقتها، لذا فإننا نرفض قول الفلاسفة المثاليين: إن المعرفة الإنسانية ما هي إلا استعادة أفكار موجودة مسبقا». (الكتاب والقرآن، ص 42)

فهل سيبقى شحرور متسقا مع نظريته هذه في المعرفة في تحديد موقفه من الوجود الإلهي وما يتعلق به، بمعنى هل الله عند محمد شحرور – بناء على نظريته في المعرفة – قابل للحس وله وجود موضوعي خارج الذهن؟

يقول في كتابه “نحو أصول جديدة في الفقه الإسلامي”: «الله في ذاته كينونة فقط، أي إنه وجود قائم بذاته» (ص 37)، فأنت ترى أن الله في كلامه هذا يعتبره كينونة ووجوده قائم بذاته، لكنه في كتابه “الكتاب والقرآن” يقول: «الوجود الموضوعي خارج الوعي هو الوجود الإلهي» (ص82). بمعنى أن الوجود الخارجي هو نفسه الله، فهل نؤمن بالله ككينونة ووجود قائم بذاته أم نؤمن بمقولة «وحدة الوجود» وأن الله هو نفسه الوجود الموضوعي خارج الوعي؟ وبصيغة أخرى هل الله مستقل عن العالم ووجوده حسي، أم أن العالم هو عين الله وبالتالي ليس له وجود مفارق للعالم؟ فما أدري ما هو هذا الإله الذي يؤمن به شحرور خصوصا إذا علمنا أنه يرى في موضع آخر أن الوجود الخارجي هو عينه كلمات الله، يقول مؤكدا ذلك في كتابه “الكتاب والقرآن: «الوجود المادي الموضوعي ونواميسه هي عين كلمات الله» (ص 82)،

فأنت ترى أن شرط الاتساق الداخي في طرح شحرور منتف وبالتالي جاءت مقدماته الخاطئة بنتائج كارثية في تأسيس عقيدة المسلم، فهو مرة يرى أن الوجود الموضوعي هو عين كلمات الله، ومرة يرى أن الوجود الموضوعي هو الوجود الإلهي، ومرة أخرى يقول أن الله كينونة وذات قائم بنفسه، بالإضافة إلى أنه يرى في كتابه “الإسلام الأصل والصورة” أن الإيمان بالله مسلة، وهو اختيار فردي ولا يجوز البرهنة عليه علميا.. ويجب أن تشك في إيمانك بالله ولو بمثقال ذرة من شك .. وانظر بعد ذلك كيف يمكنك أن تعتقد وتجمع بين كل هذه التناقضات والمغالطات مع التسليم والشك في عقلك .. وأرجو ألا يرفع عنك القلم بعد ذلك.

إضافة إلى هذا الخليط الفكري والفساد العقدي الذي لا يربطه خيط ناظم يرى محمد شحرور أن:

-القرآن الحكيم ليس كلام الله، لأن الله ليس جنسا وبالتالي فالله ليس عربيا ولا إنكليزيا ولا فرنسيا.. وبناء على ذلك لا يحق لك أن تقول قال الله في التنزيل الحكيم كذا، بل قل أمرنا الله بكذا، أو غيرها من الصيغ التي لا تدل على أن الله هو المتكلم بالقرآن..

– علم الله هو علم بكافة الاحتمالات، قبل وقوع الحدث، ولكنه ليس علما حتميا، أو احتمال سيتخذه زيد أو عمر.. علم الله بالأشياء علم رياضي بحث.. فليس في علم الله تفاحة صفراء وأخرى حمراء، ولكنها موجودة في علمه كلها على شكل علاقات رياضية عددية بحتة.. بمعنى أن الله عالم رياضيات لا يعلم بالجزئيات.

ورغم كل هذه الشطحات والرقصات، التي تحقق لك نوعا من الفرجة على بهلوان على منصة السِّرْك، فهو عند من يتبنى النزعة “اللُّوثَرِيَّة” يُعْتَبَرُ مارثن لوثر الإسلام، الذي سيصلح ما أفسده دهر التراث، وهو تقمُّص أجوف لتجربة “مارتن لوثر”، مع منظور سطحي لها، غالباً يتجاهل سياقاتها وملابساتها ويغفل عن أوجه قصورها المحتملة أيضاً.

إنها نزعة تستدرج أصحابها إلى الوقوع في قبضة المحاكاة الرمزية لتجربة تنتمي في الواقع إلى ذيول العصر الأوروبي الوسيط، وهي نزعة توحي بأنّ “لوثرية الإسلام” حتمية تاريخية قادمة لا محالة، حتى بلغت الحماسة ببعضهم حد تحديد اسم المصلح الموعود “محمد شحرور”، والذي سيخوض معركة الإصلاح الديني وسيربحها أيضاً، فجعلوا ممن يستوقفهم أو يروق لهم وتهواه أنفسهم، رغم ما يحمله مشروعة من تناقضات ومفارقات حامل لقب لوثري الإسلام، رغم أنه في الحقيقة كارثي الإسلام.

المصدرعبد الحكيم الصديقي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.