أنا طالع لإسرائيل…وماذا بعد؟

admin
اقلام حرة
admin10 مارس 2018آخر تحديث : السبت 10 مارس 2018 - 12:15 مساءً
أنا طالع لإسرائيل…وماذا بعد؟
لحسن أمقران

لم يسبق لي أن غادرت وطني المغرب في اتجاه أرض الميعاد التي تسمى رسميا “إسرائيل”، ولن أخفيكم سرا أنه ومنذ سنتين تقريبا أتيحت لي فرصة السفر إلى هذه البقاع المقدسة، غير أنني ولأسباب موضوعية أكثر من كونها ذاتية، اعتذرت عن الاستجابة للدعوة في الأخير بعدما رحبت وتحمست في البداية.

سنحاول في هذا المقال أن نتناول بهدوء مجموعة من المفاهيم والوقائع والسلوكات، في إطار الايمان الثابت بقيم الاختلاف ومبدأ النسبية في المواقف، وإذا كنا لا نبتغي من ذلك خلق مواجهة سيزيفية ونقاشا بيزنطيا مع أحد، فإن تسليط الضوء على مجموعة من الانفعالات والمغالطات والنوايا أمر يفرض نفسه حفظا للسلم الاجتماعي والتناول الموضوعي للقضايا.

يعتبر مفهوم “التطبيع” من المفاهيم المطاطية الموظفة سياسيا بشكل مبالغ فيه، وهو مفهوم يغلب عليه المدلول العاطفي أكثر من كونه أداة دقيقة للتعبير، ويرتبط بإخلال بيّن بموقف سياسي تاريخي اتخذته بعض الأنظمة العربية في إطار التضامن السياسي ذي الخلفية القومية، المغلفة بالدين، مع فلسطين، مما جعله – بعد ذلك- سلاحا تقليديا تلجأ إليه بعض الجهات –إقليميا ودوليا-  لتصفية حسابات أيديولوجية أو سياسية محضة.

إننا نقف موقفا يقينيا بمشروعية إقامة دولة فلسطينية على أرض الميعاد، و نقف موقفا يقينيا بمشروعية سعي الفلسطينيين إلى التحرر من كل القيود الداخلية والخارجية لبناء دولتهم، نقف موقفا يقينيا بكون دولة إسرائيل كنظام سياسي قائم ارتكب الكثير من الخروقات للقانون الدولي والانتهاكات لحقوق الانسان، ولا يمكن لأي كان أن يجادل في ذلك إلا من منطلق اصطفاف جبان أو نفعي، اصطفاف لا يختلف في شيء في من يخندق القضية الفلسطينية في “غيتو” قومي أو عقدي ضيق.

 إن التضامن السياسي الذي تتبناه بعض التيارات السياسية المغربية وغيرها يصبح تضامنا مردودا عندما يريد أن يفرض على الموقف الرسمي، وذلك لارتباطه بأرضيات سياسية مشتركة عابرة للقارات لا تلزم الدولة في شيء، فاختزال القضية الفلسطينية مثلا في موقف حركة معينة أيا كان توجهها ضرب من الوهم، وقبل توزيع التهم والأحكام على الآخرين، يفترض العمل على المساعدة على رص الصف الداخلي الفلسطيني لكي لا يطرح سؤال التمثيلية ودى شرعيتها.

عودة إلى التضامن السياسي دائما، نتساءل هل فكّر بعض مواطنينا ممن يتزايدون علينا بالقضية الفلسطينية عن موقف الحركات الفلسطينية بشتى تلاوينها من الوحدة الترابية المغربية؟ وهل يخوّن بعضها البعض عندما يختلفان في الموقف من قضية خارج الحدود؟ ثم من أين استمدّت جمهورية الوهم العربي بالصحراء علمها “الوطني”؟ ثم لماذا اتخذ الراحل الحسن الثاني موقفه المعلوم من الراحل ياسر عرفات ومن فلسطين ردحا من الزمن؟ ومع كل هذا نقف موقفا يقينيا مما أتيانا عليه سلفا.

سأعرج على الحركة الامازيغية لأقول لمن يرجم بالجهل أن هذه الحركة ليست تنظيما حزبيا يلزم منتسبيه بقراراته المذيلة بخاتم وتوقيع، ويجمع مجموعة من المواطنين يؤمنون بأهداف سياسية وأيديولوجية مشتركة، ويعملون من خلالها على الوصول الى السلطة وتحقيق برنامج سياسي. الحركة الأمازيغية ليست حزبا أو دراعا حزبيا، بل حركة جماهيرية أوسع من الحزب والنقابة والجمعية والمنظمة وغيرها من الاطارات المعروفة، حركة يمكن أن تأوي كل هذه الاطارات وتعمل على تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية وحقوقية، وهي حركة تعمل على تلبية مطالب دقيقة وتواجه السياسات غير العادلة للدولة، والحال هذه، ليس من الصواب أن ننسب موقف شخص أو حتى إطار يحسب على الحركة الأمازيغية إلى هذه الحركة متى كان هذا  الموقف منافيا لأدبيات الحركة الأمازيغية المكتوبة والمسطرة، والتي تؤطرها مجموعة من المبادئ والقيم.

الملاحظ أن  بعض مواطنينا ممن يتزايدون علينا بالقضية الفلسطينية عندما يخاطبون الحركة الأمازيغية يوظفون عبارة “شباب”، وهو حق أريد به باطل يتأسس على نية القصور الفكري و”رفع القلم”، لشرعنة ممارسة الحجر والوصاية، نفتخر بكون العمود الفقري للحركة الامازيغية من الشباب، شباب يمتلك ناصية العلم والمعرفة، فأغلبهم من خريجي الجامعات والمعاهد العليا ومن حملة شواهد علمية في شتى المجالات والتخصصات، وهو وضع لا ينفي وجود قمم وهمم كثيرة وكثيرة جدا، بصمت على تاريخ النضال الأمازيغي تجاوزت الستين من العمر نحترمهم ونجلّهم، لكن لا ننزههم ولا نقدسهم كما يفعل غيرنا.

زوار إسرائيل من المغاربة، هل أجرموا فعلا –قانونيا وحتى أخلاقيا-؟ هل كفروا بالوطن؟ وقبل كل هذا وذاك، من يكونون يا ترى؟ لن نختلف في أن منهم مستثمرون، تجار، فنانون، أساتذة، إعلاميون، باحثون، ساسة، سياح، تختلف أهداف زياراتهم وقد لا تمتّ بصلة لمواقف سياسية…لن نخوض في العدد درءا للجدال، لكن ما نسبة المحسوبين على الحركة الأمازيغية من هؤلاء الزوار؟ بعض مواطنينا ممن يتزايدون علينا بالقضية الفلسطينية يصورونهم على أنهم الفئة الغالبة وهم ليسوا كذلك إطلاقا، كل ما في الأمر أن هؤلاء –نشطاء الحركة الأمازيغية-  شجعان أوفياء للصراحة ولا يراوغون ولا يتسترون، وهنا نتساءل أليس في استغلال صورهم الشخصية وترويجها إعلاميا من الاعتداء على الحياة الخاصة للأشخاص من خلال التربص والترصد المقرونين بالتشهير الذي يهدف الى الشيطنة، ومن تم التحريض عليهم لتصفية حسابات سياسوية وأيديولوجية ضيقة، مقنّعة بالغيرة على الدين والأمة؟ أين موقف الدولة من مثل هذه الممارسات المخابراتية التي من شأنها تهديد السلم الاجتماعي والتي يفترض الحسم فيها عبر الحزم ومتابعة من تسول لهم أنفسهم لعب دور الشرطي؟

لنعد الآن إلى المرقد -عفوا المرصد- المغربي المرصد لمناهضة التطبيع، شخصيا لست لا مع ولا ضد “التطبيع” لأن ذلك من اختصاص الضالعين في العلاقات الجيوستراتيجية والتوازنات الدولية وخبراء الديبلوماسية ورجال الاقتصاد وغيرهم، إلا أن لنا في سياق ظهور هذه الهيئة أسئلة كثيرة، هل كان فعلا طوعيا واعيا أم ردة فعل على حدث بعينه، هل أهدافها المعلنة التي يلتزم بها منتسبيها قاطبة هي الموجّهة أم أن هناك أهداف مضمرة تحتفظ بها بعض العلب السوداء داخل الإطار المعني؟ وهنا، لا يخفى حجم الاخفاقات المتتالية لتيارات معينة رغم ركوبها على المقدس المشترك وتنصيب نفسها رسل ربّنا على الأرض في الألفية الثالثة، مما جعلها تلتجئ إلى كل الأوراق وشن حروب الهيستيريا الجماعية  لستر عورتها السياسية التي انكشفت من خلال تجربتها في الحكم، وإلا فما قول هؤلاء في التطبيع الأردوغاني مع هذا الكيان؟ وكيف تسلّل “عوفير برناشتاين” إلى المؤتمر المعلوم بل وزار البيت المعلوم.

إن أجندة المرقد -عفوا المرصد- المغربي المرصد لمناهضة التطبيع يشوبها الغموض، ويفترض إعادة النظر فيها من جانب الديمقراطيين من منتسبيه، فبعض الأصوات من داخله تستنهض التضبيع عوض مناهضة التطبيع الحقيقي، ولا ننكر احتمال الارتباطات الدولية المفترضة والمؤدى عنها، ونكاد نجزم وجود عدة حالات نفسية تستدعي العلاج لعل من أكثرها احتمالا مرض جنون الارتياب (باللاتينية: Paranoia) أو الهذاء وهو مرض نفسي مزمن يتسم باللاعقلانية والوهام، حيث يعتنق المريض أفكارا يؤمن بها إيمانا وثيقا تتسم بالشعور بالاضطهاد أو المؤامرة، ويفسر كل سلوك صادر من غيره تفسيرا يتسق مع هذا الاعتقاد.

ختاما، لست أرى في زيارة أرض الميعاد أو “إسرائيل” -كما تسمى رسميا- ربحا يحقق لقضيتي الأمازيغية، ولست أستمد شرعية قضيتي من زيارة هذه البقاع أو غيرها، شرعية قضيتي وعدالة مطالبها تستند إلى حقيقة هوية الأرض المغربية التي يعكسها التاريخ والانتربولوجيا والثقافة قبل اللسان والإثنية، بالمقابل لست أرى في زيارة إسرائيل خطرا يهددني أو يهدد وطني، وعندما يكون هناك مبرر موضوعي لزيارتها بغض الطرف عن عويلهم ووعيدهم، سأفعل لا محالة وسأقول لهم: طالع لاسرائيل وماذا بعد؟؟؟

المصدرلحسن أمقران

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.