زايد أحماد الذي فقد ظله!

admin
اقلام حرة
admin10 أغسطس 2017
زايد أحماد الذي فقد ظله!
مونير كوبي

في مطبوع الإجراء الذي يتضمن مجموعة من المعطيات المتعلقة بالحصة التي أجري فيها الاختبار (مكان وزمان الاختبار، المسلك والمادة، عدد المتغيبين والمتأخرين، حالات الغش المضبوطة…)، يرد سؤال يطلب من السادة الأساتذة المراقبين الإجابة عليه وهو:”ما هو تقييمكم للظروف التي يتم فيها اجتياز الاختبار (قاعة الامتحان وتجهيزاتها، الجوانب التنظيمية، سلوكات المترشحين… الخ)؟

وعادة ما يجيب السادة المراقبون بالقول:”عادية”. لكن في مؤسسة كمؤسسة زايد أحماد (شيدت سنة 1977)، والتي تضم مؤسسة أخرى هي ثانوية المرابطين التأهيلية، لا تبدو الظروف التي يجتاز فيها المترشحون الاختبار عادية. فالطاولات التي يجب أن تكون مريحة وملائمة للجلوس والكتابة أغلبها مهترئ ومتهالك، وفي أماكن من جغرافية “الطاولات العريقة” يمكن أن تدخل يدك كاملة فتقبض على جهة أو بلد بكامله في حجم المغرب. طاولات مثقوبة لا تصلح للكتابة إطلاقا، ولا حتى الجلوس، إذ انتزعت بعض القطع الخشبية من على بعض الكراسي، وهنا يقع المراقبون والمترشحون على حد سواء في مطب، إذ لا يسمح للمترشح بتغيير مكانه حتى لا يتخذ وضعه مسافة تقربه من المترشح في الصف الآخر بالنظر إلى أن كل طاولة تضم مقعدين يجلس المترشحون في أحدهما على نحو عمودي يبعدهم عن الصف الآخر. وحين يكون المقعد مكسورا يضطر المترشح لتغيير مكان جلوسه، وقد يسمح له بذلك أو لا، بالنظر إلى قرار رئيس مركز الامتحان، والسيد الملاحظ، واللجان الإقليمية والجهوية التي تنتقل لتتبع سير الاختبارات. الأمر نفسه ينسحب على الكتابة، فأغلب الطاولات تظهر وكأنها خارطة المغرب، إذ يسهل أن تعاين فيها الجبال والسهول والوديان، طاولات يبدو من لونها وشكلها أنها صارت جَدَّة معمرة بقوة الأشياء، حيث لم يحدث أن استبدلت بأخرى جديدة تصلح للكتابة والجلوس. طاولات قاتمة عليها أن تذكرنا بأنها تنتسب إلى أثاث القرون الوسطى، حيث كل شيء في حياة البؤساء يتخذ له هذا اللون الكئيب، كإعلان عن الانتماء إلى زمن من ليس بعد إنسانا. إنها طاولات تهدد سلامة الجسد، وأمن الروح، وصحة العقل، وتمس حقا إنسانيا يتمثل في حق التلميذ في التعلم وفق الشروط التي تتطلب ذلك. وإذا كانت هذه هي حالة المترشح الذي يقضي يومين أو ثلاثا فقط هو زمن الاختبار لديه، فما الذي يمكن قوله بالنسبة للتلاميذ الذين يقضون سنة بكاملها، بل سنوات، معها وبها، في شكل من حكم عليه بالأعمال الشاقة المؤبدة؟ في حالة كهاته، يجد المترشح نفسه مضطرا لاستعمال ملف فارغ يضع عليه ورقة التحرير ليستطيع أن يحرر بخط واضح ومقروء إجاباته، وهذا الشرط (وضوح الخط ومقروئيته) يراعى أثناء عملية التصحيح، وإذا لم يسمح له بذلك

يضطر إلى أن يضع ورقة الامتحان أو ورقة التسويد تحت ورقة التحرير، وعليه أن يحرص حرصا شديدا ألا يضغط بالقلم على الورقة حتى لا يحدث ثقبا أو ثقوبا كتلك التي يحدثها الأطفال عندما لا ينتبهون إلى ما يكبتون عليه إن كان مستويا أم لا، وهذا الأمر هو الآخر يشتت ذهن المترشح ويهدر زمن الاختبار لديه، إذ عليه أن يسحب ورقة الامتحان أو ورقة التسويد بين الفينة والأخرى ليطلع على متنها. إن زمن الاختبار الذي يجب أن ينفقه في التركيز على إنتاج الإجابات الصحيحة، يهدر في الاحتياط من تمزق الورقة، أو انحراف الخط وتشوه الحروف والكلمات إلى ما يشبه اللغة الهيروغليفية.

تتقاسم النوافذ والأبواب نفس مصير الطاولات، نوافذ بعضها بزجاج مكسور وبعضها بدون زجاج أصلا، وبعضها بلا مقبض ييسر الفتح والإغلاق، نوافذ بلا ستائر تقي المترشح أو التلميذ على حد سواء من حرارة الشمس المفرطة والمزعجة، لاسيما في هذا الجنوب الشرقي الذي ما أن يرحل عنه الشتاء حتى يحل الصيف الملتهب مكانه، ولكي يتقي التلاميذ والمدرسون إزعاج هذه الأشعة يضطرون إلى إلصاق أوراق على زجاج النوافذ أو صبغها بما تيسر الحصول عليه ليحجب الأشعة، وفي النهاية لا يلغي هذا السلوك المشكل بل يؤجله فحسب، وفي الاختبار يطفو المشكل من جديد، إذ لا شيء يمكن أن يحجب أشعة الشمس الحارة، مما يزيد من معاناة المترشح عوض أن ينهيها أو يجتثها من الجذور. أما الأبواب، فهي الأخرى بلا مقابض تيسير الفتح والإغلاق، وبعضها تعرض للكسر والتخريب، بعضها متهالك لم يعد يقوى على قهر الزمن. والأمر نفسه يصدق على السبورات والمكاتب التي يبدو أن الزمن والأيدي العابثة قد عاثت فيها فسادا. أما حالة الجدران، فبالإضافة إلى كونها فضاء ارتسمت فيه جميع الخربشات والهلوسات والمكبوتات التي يمكن أن تستبد بأطفال في بداية مراهقتهم أو بمراهقين، يفصح اللون الرمادي الذي صبغت به القاعات عن إحساس بالكآبة يمكن أن يتملك المدرس والمتمدرس، والمراقب والمترشح على حد سواء، إنه لون يجعل فضاء المؤسسة شبيهة بسجن وقاعاتها شبيهة بزنازين السجناء. وفي بعض القاعات اختفت أزرار الكهرباء، وفي البعض الآخر الإنارة غائبة أو باهتة.

من الواضح أن إدغار موران، وهو يتحدث عن سبعة ثقوب معرفية سوداء تنخر الجسد التربوي المغربي، لم يتفطن إلى أن هناك ثقبا أسود في تنغير لا يمت إلى المعرفة بصلة، وهو مؤسسة زايد أحماد الإعدادية التي تحتضن في نفس الآن مؤسسة المرابطين التأهيلية، فهذا الثقب الأسود يمت إلى الشرط اللازم لكل معرفة وهو البنية التربوية الحاضنة للمعرفة والمؤسسة لها. ومن العيب أن يلتصق اسم هذا المقاوم في زمن الاستعمار الفرنسي بمؤسسة صارت عنوانا للخزي التربوي، ولقدر استسلم في يأس للإهمال واللامبالاة، ولولا أن الهواتف النقالة محرمة في فضاءات الامتحان، لصورت حالة التجهيزات والقاعات التي تحرر فيها أجوبة المترشحين، والتي تحتضن أجساد وعقول التلاميذ. ومن الخزي كذلك أن يرتبط اسم المرابطين بمؤسسة لم تر النور بعد، على الرغم من أنه شرع في تشييدها منذ سنوات، وإلى الآن ما تزال في حضانة مؤسسة أخرى. ضاعت إذن أموال المخطط الاستعجالي دون أن يصل منها شيء إلى زايد أحماد، ودون أن يصل سنتيم واحد إلى أي تلميذ يقال عنه وفي غيبته إنه مركز العملية التعليمية- التعلمية.

إني أدين إلى هذه المؤسسة، مثلما يدين لها غيري ممن تلقوا تعليمهم فيها وصاروا الآن في مناصب المسؤولية مهما اختلفت مراتبها، بالشيء الكثير، كما أدين إلى الذين درسوا في هذه الإعدادية والثانوية آنذاك وإلى إدارييها، بجميل لا حدود له. ولهذا أقول إن زايد أحماد قد طعن في ظهره وهو

الذي تلقى رصاصة المستعمر في صدره دفاعا عن هذا الإنسان الذي صرنا إياه، والذي بلغناه بما تلقيناه في مؤسسته، وبما نرنو أن تبلغه الأجيال القادمة بسلاح العلم والمعرفة. لكن في غياب هذا الشرط التربوي البنيوي (المؤسسة)، نكون قد قضينا عليه بالموت رميا بالجهل، هو وظله.

زايد أحماد بريشة محمد الزياني- تنغير

zaidokg555
المصدرمونير كوبي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.