بنكيران.. “أنا تلفت خاصني نشد الأرض”

admin
وطنية
admin22 فبراير 2017آخر تحديث : الأربعاء 22 فبراير 2017 - 9:16 مساءً
بنكيران.. “أنا تلفت خاصني نشد الأرض”

في الوقت الذي كانوا ينتظرون منه أن يخرج من «خلوته»، حيث أقام أكثر من أربعة أشهر، ليعلن عن تشكيل الحكومة المنتظرة، فوجئ المغاربة بعبد الإله بنكيران يدلي، يوم السبت 18 فبراير 2017، بتصريحات مستفزة أمام المجلس الوطني للاتحاد الوطني للشغل. وقد جاء فيها على نحو أدق: «لا يمكن أن يذهب الملك ليفرج كربات بعض الشعوب الإفريقية ونُهين الشعب المغربي»!

إن ما يثير في ذلك أولا هو ما يحمله التصريح من قدر كبير من الوقاحة التي تعبر مرة أخرى عن خفة الرجل، وعدم احترامه لأي شيء، لا للسياق الزمني لما تلفظ به، أي تاريخ قيام الملك بزيارة لدولة غانا، الزيارة الملكية الأولى بعد استعادة المغرب لمكانه الطبيعي داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، والمنخرطة ضمن جهد مغربي خالص لتوسيع دائرة شراكات مع المحيط الإفريقي. ولا للجيران الأفارقة الذين نؤمن بأنهم امتدادنا الثقافي وشركاؤنا في بناء القارة، وفي مواجهة تحديات المستقبل. الأكثر من ذلك أن التصريح يأتي متوازيا مع تصريح ثان يؤكد فيه رئيس الحكومة المعين بأنه سيباشر المشاورات حول تشكيل الحكومة، وفي حالة تعذر ذلك سيرمي بـ «السوارت».

إزاء ذلك تطرح عدد من التساؤلات حول معاني التصريحين، ودلالة اقترافهما في هذا الوقت بالذات؟ من هذه الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر:

ـ هل يقدر بنكيران درجة نزقية خطابه وسلوكه، وهو المفروض أنه رجل دولة، وأمين عام حزب مسؤول ترأس الحكومة من 2012 إلى 2016، ويتهيأ اليوم نظريا على الأقل إلى ترأس حكومة ثانية ليكون بذلك ثاني رجل في الهرم الدستوري الحالي؟

ـ هل يقدر بنكيران آثار ما صرح به بخصوص المساعي الملكية الإفريقية على المغاربة الذين قد يترددون في فهم مغازي تلك المساعي، أو يجهلون قيمتها على وجودنا داخل القارة والعالم؟

ـ هل يقدر بنكيران كيفية تلقي خصوم وحدتنا الترابية لمثل هذا التصريح، إذ يعطيهم ذرائع للقول بأن المغرب الرسمي، وعلى لسان بنكيران نفسه، يبدد فعلا ثرواته وجهده الدبلوماسي في خدمة الآخرين توسلا إليهم في حين يتجاهل واقع المغاربة المتعثرين موضوعيا في معضلات تنميتهم الذاتية؟ وبأن المغاربة ليسوا بنية صادقة في التعامل مع عمقهم الافريقي، بل هم انتهازيون فقط!

ومن الأسئلة كذلك ما يهم صيغ تعامل بنكيران مع مشكلته الشخصية في فشله في المفاوضات وفي عجزه عن تشكيل الحكومة، وما نتج عنها من هدر في الزمن، ومن تشويش في الرؤيا، ومن بهدلة لوضع السياسة والسياسيين في هذا البلد. وبهذا الخصوص نتساءل مرة أخرى حول الطابع المستفز لقوله «سنرمي السوارت»، متذرعا بالقول إنه هناك إرادة ما لمعاكسة اختيار المغاربة المعبر عنه عبر صناديق اقتراع الاستحقاق التشريعي أكتوبر؟

هذه الأسئلة جميعها تقودنا إلى جواب مركزي يجد تفسيره المباشر في منظور بنكيران لفلسفة السياسة في مغرب اليوم، المنظور الذي هو خليط من «فهلوة» شخصية، مضافا إليها توابل من الوصفة الشعبوية التي صارت عملة رائجة في سوق السياسة على الصعيد الوطني، والمستندة جوهريا على عقيدة الإخوان المسلمين منذ تأسسوا في عشرينيات القرن الماضي، وشكل تدبرهم للأزمات السياسية والتنظيمية.

أما تفاصيل الجواب فنوردها على الشكل التالي:

1ـ إن بنكيران وهو «يتفه» الزيارات الملكية إلى إفريقيا يعي بأن كلامه «المشفر» لا يساوي شيئا في منطق عقلاء السياسة، ولكنه يساوي كل شيء في أذهان عامة الشعب الذين سيقرؤون تصريحه على اعتبار أنه «ابن الشعب. منهم وإليهم»، وأنه هو الذي يراعي مصالحهم قبل مصالح الآخرين. هنا يضرب بنكيران صفة رجل الدولة عرض الحائط لفائدة حساب انتخابي واعتبار سياسي يقوم على مبدإ المظلومية الإخوانية دون مراعاة مصلحة الوطن التي هي فوق كل مصالح الذات المغربية مهما كانت النتائج.

2ـ إن بنكيران الذي صرح في نفس المقام بأنه لا يريد إثارة الفتنة هو من يسعى إلى إثارتها حقيقة حين يرهن فقط على آثار ما قد يجنيه من خطاب الاستقطاب الانتخابي لبسطاء المواطنين، في حين أنه هو من يجب أن يفهم لهؤلاء البسطاء بأن ثمار الزيارات الملكية لا تنفصل مطلقا عن ثمار التنمية المحلية والرهانات الجيواستراتيجية للمغرب. بنكيران لا يغيب عنه ذلك، لكنه باختياره الشعبوي المقيت يلبس جبة الحزبي والداعية، وليشرب عقلاء السياسة البحار.

3ـ إن بنكيران العاجز سياسيا عن تشكيل الحكومة يتفرق أخطاء سياسية جسيمة توقعه في العجز المضاعف. إنه العاجز الذي يختار أن يعلق فشله على مشحب الآخرين. وذلك بتبني منطق المؤامرة حيث الجميع يتآمر عليه باسم «الدولة العميقة»، أو «آلية التحكم»، أو «التماسيح والعفاريت».

هنا لا بد أن نوضح معطى أساسيا. إن بنكيران وحزبه هما صنيعة مخزنية بامتياز في عهد البصري وهما أبناء النسق السياسي القائم. وضمن هذا النسق بما له وعليه فازت العدالة والتنمية بصدارة نتائج الانتخابات الأخيرة. ومن ثم سيكون أمام بنكيران أحد الاختيارين: إما الوصول إلى تشكيل الحكومة وفق ما يتيسر له من تحالفات وترضيات وتفاهات، وإما أن يعلن فشله ويفتح أمام السياسة المغربية أفقا آخر للاختيار ولتجريب وصفة أخرى. لكن بنكيران لا يأخذ بالاختيارين معا. إنه فقط يكتفي بارتداء «الفوقية والتسبيح»، منتظرا أن ينتظر الفرج من مكان ما، وهو يقول في قرارة النفس إنهم يريدون أن يستنزفون قدراتنا ولذلك سأستنزف قدراتهم».

أما لماذا له هذا القول فلأنه يتذرع بأنه صاحب مشروعية صناديق الاقتراع. وهنا مربط الفرس، حيث المشروعية تتلبس بكثافة سميكة من الغموض الذي لا بد من توضيحه كذلك. وهنا يجب التمييز بين إرادة الصناديق وإرادة الشعب، خاصة إذا استحضرنا نسبة المغاربة الذين لم يذهبوا إلى مكاتب التصويت، وأن ما حصل عليه حزب بنكيران لا يتجاوز نسبة 4 في المائة من أصوات الكتلة الناخبة. ولذلك كانعلى بنكيران أن يتحلى بفضيلة التواضع، ويقرأ النتائج في إطارها النسبي، لا في إطار مطلق.

بنكيران يمثل فقط 4 في المئة من الأصوات. وهو ما لا يؤهله إلى أن يتحدث باسم كل المغاربة، وبناء عليه يكون كل حديث عن الشرعية متاجرة سياسية وديماغوجية مكشوفة، وتبخيس للناطق به قبل المستمع إليه.

ومرة أخرى لا نتصور أن بنكيران جاهل بهذه المعطيات لكنه يحرفها لفائدة تدبير «الفهلوة»، وعقيدة المظلومية، ومنطق الابتزاز السياسي لفائدة ما يروج له من أنه البطل «الشعبي» المستهدف سياسيا وحزبيا، وبأنه سليل الاختيار الديمقراطي. ولأن البطل الشعبوي بلا ذاكرة فهو يريد بهذا «التبوحيط» كذلك أن يلغي ذاكرة المغاربة الذي عاشوا معه، في الولاية المنتهية، أصعب فترات حياتهم بعد أن أجهز على قدرتهم الشرائية، وألغى صندوق المقاصة، وسن ما سماها إجراءات «إصلاح» التقاعد، وأوقف التوظيف العمومي، وأجهز على الحق في الإضراب… دون أن ننسى الفضائح الأخلاقية والجنسية والمالية لأفراد من حزبه وحكومته وذراعه الدعوي. 

إنها الدرجة الصفر في السياسة، وفي العمل الحزبي!

(تفاصيل أوفر في العدد الحالي من أسبوعية “الوطن الآن”)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.