من معاني الاحتفال بميلاد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

admin
اقلام حرة
admin24 ديسمبر 2016
من معاني الاحتفال بميلاد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
خالد ناصر الدين

بعيدا عن الجدال العقيم الذي مازال يسيل الكثير من المداد دون أن يغير من الأمر الواقع شيئا، والمتعلق بالاختلاف المختلق حول ما إذا الأمر يتعلق بعيد من أعياد أمتنا الإسلامية المكلومة أو بمجرد ذكرى من ذكرياتها المجيدة، جدال استلت من أجل خوضه سيوف التبديع والتنفير والوعد والوعيد ليميط اللثام عن مشهد مؤلم من مشاهد أزمة الفكر الإسلامي المعاصر…أقول بعيدا عن كل ذلك فإن الاحتفال بمولد نبينا المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه يكتسب معانيه الحقيقية _في تقديري الشخصي_ انطلاقا من مؤشرين اثنين:

_المؤشر الأول: ضرورة استحضار محطات مشرقة من سيرته العطرة.

_المؤشر الثاني: يتعلق بسؤال الاتباع والاقتداء.

وتبعا لذلك أجدني ملزما باستحضار قبسات مضيئة من سيرته مذ كان طفلا إلى أن توفاه الله عز وجل بعدما أدى الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد في الله حق جهاده، لأعرج على السؤال المتعلق بالاتباع والاقتداء.

_أولا: قبسات من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم:

دعوني أملأ عيني بأنوار هذا جاء إلى الحياة فأعطاها كل شيء، وما كان لها أن يكون لها معنى ولا عمق ولا رائحة ولا ذوق لولا أنواره التي أضاءت كل زواياها وجميع جوانبها بلا استثناء…أعطاها كل شيء ولم يأخذ منها شيئا.

إني أراه طفلا وديعا جميلايتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرين، تشع النباهة وأنوار الاصطفاء من عينيه النجلاوين يدعوه أترابه لمشاركتهم اللعب، يلحون عليه، فيجيبهم قائلا:”أنا لم أخلق لهذا !”

إني أراه شابا تهفو نفسه لشيء مما كان أهل الجاهلية يعملونه، فَيَهُمُّ بالسمر كما يسمر الشباب بعدما سمع عزف عرس من الأعراس، ولكن العناية الربانية تتدخل، فيضرب الله على أذنيه وينام فما يوقظه إلا حر الشمس.   

إني أراه متعبدا متبتلا بعدما حُبِّبَ إليه الانزواء في غار حراء، يعود بعدما أول لقاء مع رسالة السماء، يعود مرتجفا، ترتعد فرائسه مخاطبا أهل بيته: “زملوني…زملوني…”، فتعجل الزوج الحصان الرزان الحنون الصبور رضي الله عنها بالاستجابة مطمئنة إياه. “”كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف،  وتعين على نوائب الحق”..

إنه أراه بعدما توفي عمه أبو طالب، وحصنه الطاهرة خديجة، يخرج إلى الطائف ماشيا على الأقدام، يحدوه أمل في هداية ثقيف، فلا يلقى منهم إلا الصدود والإعراض والسخرية والأذى، فلا يملك إلا أن يصلي ركعتين بعدما آوى إلى ظل شجرة، ثم يخاطب ربه ضارعا خاشعا متوسلا: “اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك” .

إني أراه بعد هذا المشهد المؤلم يجيب ملك الجبال الذي قال له: “إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين”، فبقول له صلوات ربي وسلامه عليه: “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا.”  

إني أراه خارجا من الكعبة الشريفة وقريش صفوفاً ينتظرون ما يصنع بهم ، وهو يقول:”يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟”، قالوا: “أخ كريم وابن أخ كريم”، قال: “فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه: “لا تثريب عليكم اليوم “(يوسف/92)، اذهبوا فأنتم الطلقاء.”

إني أراه بعدما شعر بدنو أجله يدخل المسجد ويبدأ بالمنبر، فيبدأ خطبته بالصلاة على شهداء أحد والاستغفار لهم، وفاءً لهم صلى الله عليه وسلم ثم يقول:”أيها الناس، مَن كنتُ أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ومن جلدت له ظهرًا فهذا ظهري فليقتصَّ منه.”

ها هو قلبه الشريف يزداد ثباتا ويقينا ونورا وهو يصغي بخشوع كامل لقصص الأنبياء الذين سبقوه يقصها عليه رب رحيم ودود، يقول تعالى: “وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك”

تجتمع فيه أمهات الأخلاق الفاضلة، فيستحق شهادة الله له تعالى من الملكوت الأعلى: “وإنك لعلى خلق عظيم”.

يرتفع قدره، ويتميز على سائر الأنبياء والمرسلين، فهذا موسى عليه السلام يسأل ربه عز وجل قائلا: “رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري”، وينادي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “ألم نشرح لك صدرك”، وهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يسأل ربه: “ولا تخزني يوم يبعثون”، ويقال لنبينا صلى الله عليه وسلم من غير سؤال: “يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه.”

لقد ذكر عز وجل الأنبياء وذكر ما استخصهم به، فأضاف إلى إبراهيم عليه السلام الخُلة، وإلى موسى عليه السلام الكلام، وإلى سليمان عليه السلام الملك، وإلى أيوب عليه السلام الصبر، ولم يضف إلى محمد صلى الله عليه وسلم شيئا مما أعطاه من المعجزات والكرامات بل أقسم بعمره الشريف قائلا: “لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون”، وهذا غاية التشريف، ومنتهى التعظيم، وقمة التبجيل، لذلك فهو يدعونا إلى أن نعرفه قائلا: “أم لم يعرفوا  رسولهم”، يدعونا إلى معرفة سننه القولية والعملية والتقريرية، وإلى معرفة شمائله وأخلاقه الربانية (حلمه وجوده وحيائه وحسن عشرته وشفقته وتواضعه ووقاره…)، إلى معرفة دقائق وجزئيات حياته طفلا وشابا وكهلا.. زوجا وأبا وجدا.. خطيبا مفوها، ومحاربا شجاعا، ومعاهدا وفيا، وقاضيا عادلا، وعابدا متبتلا…

_ثانيا: العبرة بالاقتداء والاتباع   

جميل جدا أن نتحدث عن شيمه وأخلاقه، وأن نستحضر سيرته العطرة، والأجمل من ذلك أن نتبعه وأن نقتدي به… يقول تعالى: “ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله ليعذبهم وهم يستغفرون” معناها مادامت سنتك قائمة فيهم… معرفة سنته القولية والفعلية والعملية فرض عين على كل مسلم، بدليل قوله تعالى: “وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا”، وقوله:”قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم دنوبكم”، وقوله: “فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم_إلى قوله_تسليما” أي ينقادوا لحكمك، وقوله: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر”، قال محمد بن علي الترمذي: الأسوة الاقتداء به والاتباع لسنته وترك مخالفته في قول أو فعل…وفي حديث عائشة رضي الله عنها صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ترخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم قال: “ما بال قوم يتنزهون عن الشيء أصنعه؟” فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية.” ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “القرآن صعب مستصعب على من كرهه، وهو الحكم، فمن استمسك بحديثي وفهمه وحفظه جاء مع القرآن، ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة، أمرت أمتي أن يأخذوا بقولي ويطيعوا أمري، ويتبعوا سنتي، فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن.”            


المصدرخالد ناصر الدين

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.