لماذا يحرم طلبة كلية الشريعة من مهنتي المحاماة والتوثيق العصري؟

admin
اقلام حرة
admin14 ديسمبر 2016
لماذا يحرم طلبة كلية الشريعة من مهنتي المحاماة والتوثيق العصري؟
سميـــر مسعودي

يتساءل العديد من الطلبة ، وخريجي كلية الشريعة وبعض رجال القضاء والمحامين والأساتذة الباحثين عن قضية إقصاء خريجي كلية الشريعة من الترشح لمباراة المحاماة و مهنة التوثيق العصري، ويستغربون لهذا الإقصاء، في الوقت الذي يسمح لهم قانونيا بمزاولة مهنة القضاء بنوعيه الواقف والجالس، ولما لا مهمة رئيس محكمة استئناف أو محكمة ابتدائية أو محكمة النقض. هل من المعقول أن نسمح قانونيا لخريجي كلية الشريعة بمزاولة القضاء ونحرمهم من مهنة المحاماة ؟ اوبعبارة اخرى هل من المنطق ان يكون من حقهم مزاولة مهنة القضاء ونحرمهم من مزاولة مهنة الدفاع ؟ و كأن القانون الذي سمح لهم بارتداء بذلة القضاء ليس هو القانون الذي حرمهم من مهنة المحاماة والتوثيق العصري.

وإذا كان المنع من مزاولة مهنة التوثيق العصري مبررا في مرحلة ما  من المراحل باعتباره قانونا مفرنسا، حيث كانت العقود أنذاك تكتب باللغة الفرنسية ، حيث نصت  المادة 7 من ظهير 4 ماي 1925 بصريح العبارة على شرط ان يكون المترشح لمزاولة مهنة التوثيق فرنسيا ، ؟ فإن هذا المبرر غير المنضبط لم يعد قائما حيث ثم تغيير هذا القانون بقانون 32.09 والذي تفادى في المادة 3 منه عن شرط الجنسية الفرنسية، وكذلك مع  الدستور الجديد الذي يعيد الاعتبار بقوة للغة العربية، وإلزامية كتابة العقود بالعربية، وخروج مدونة الحقوق العينية إلى الوجود والتي تستمد جل نصوصها من الفقه المالكي ( الشيخ خليل والدردير ..) (وهذا موجود في مقررات كلية الشريعة بعمق أكثر من مقررات كلية الحقوق) .

إن استمرارية هذا الإقصاء تبدوا غير منطقية عقلا، وغير مقبولة قانونا. ولا يمكن تفسير ذلك إلا برغبة المتحكمين في سن وتشريع القوانين في استبعاد هذه الفئة ، وكذلك الضغط الذي تمارسه اللوبيات في اسبعاد هذه الفئة واحتكارها للميدان وحدها ، ومن حق كل متتبع منصف أن يسائل المعنيين عن سبب استمرار هذا الحرمان؛ أليست كلية الشريعة هي امتداد لجامعة القرويين التي خرج من رحمها علماء وفقهاء وأطباء وفلاسفة وقضاة ورجال قانون…؟ فهل تعجز أن تنجب محامين؟

سأحاول في هذه الكلمات أن أبسط منطقيا وقانونيا مشروعية ولوج خريجي كلية الشريعة لمهنة المحاماة، ومهنة التوثيق العصري، لعلها تكون تذكيرا لمن أراد أن يتذكر ، ورسالة إلى السيد وزير العدل والحريات، وإلى السيد رئيس الحكومة الذي قال بالحرف ” الي عندوا شي حق يخذوا”. وهذه الكلمات نكتبها اليوم تزامنا مع فتح ورش اصلاح منظومة العدالة، وإلى  إلى جلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لعلها تجد صداها عند كافة المتدخلين في إصلاح هذا الورش الكبير .

لقد نصت مقتضيات المادة 5 من قانون المحاماة على أنه يشترط في المرشح لمزاولة مهنة المحاماة أن يكون حاصلا على شهادة الإجازة في العلوم القانونية من إحدى كليات الحقوق المغربية أو شهادة من كلية الحقوق معترف بمعادلتها لها. هذه المادة تخول مزاولة مهنة المحاماة للحاصلين على الشهادات التالية فقط : الإجازة في الحقوق المسلمة من إحدى كليات الحقوق المغربية ثم الشهادة المحصل عليها من طرف كلية أجنبية للحقوق معترف بمعادلتها لشهادة الإجازة في العلوم القانونية.

نص هذه المادة لا يسمح لخريجي كلية الشريعة الترشح لمهنة المحاماة بالمغرب. لكن هل لهذا المنع مبرر معقول؟؟

أولا : إن المشرع المغربي الذي حرم خريجي كلية الشريعة من مزاولة مهنة المحاماة هو نفسه يقر بالمعادلة القانونية لشهادة الإجازة في العلوم القانونية لشهادة الإجازة في الشريعة في مزاولة بعض المهن القانونية الحرة، وكذا في ممارسة القضاء ومهنة كتابة الضبط بمختلف مراتبها، وذلك في أكثر من مناسبة منها :

  • ما جاء في مقتضيات الفصل 5 من النظام السياسي لرجال القضاء المؤرخ في 11 نونبر 1974 والمعدل بمقتضى ظهير 10 شتنبر 1993، بحيث نصت على أنه يوظف الملحقون القضائيون بحسب ما تقتضيه حاجات مختلف المحاكم على إثر مباراة يشارك فيها حملة شهادة العالمية للتعليم العالي الإسلامي أو الإجازة في الحقوق ( فرع القانون الخاص) أو الإجازة في الشريعة من جامعة القرويين أو شهادة تعتبر معادلة لذلك، بمقتضى مرسوم يصدر باقتراح من وزير العدل.
  • ما جاء بمقتضيات المادة 24 و 26 من المرسوم رقم 473-11-2 الصادر في 15 رشوال 1432 (14 سبتنمبر 2011) بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الضبط المنظم لهيئة كتابة الضبط ( المنتدبين القضائيين من الدرجة الثالثة والدرجة الثانية ) حيث جاء في المادتين التنصيص على شهادة الدراسات العامة في الشريعة (المحررين القضائيين ) ودبلوم الماستر في الشريعة (المنتدبين القضائيين من الدرجة الثانية). – ما جاء بمقتضيات المادة الرابعة من قانون المفوضين القضائيين رقم 81-03 التي تشترط في المرشح لمزاولة مهنة المفوض القضائي أن يكون حاصلا على شهادة الإجازة في الحقوق أو ما يعادلها أو شهادة الإجازة في الشريعة الإسلامية.
  • ما جاء في مقتضيات المادة 6 من القانون رقم 16 -03 المنظم لخطة العدالة بالمغرب، بحيث نصت على أنه” يشارك في المباراة المشار إليها في المادة 4 أعلاه وكذا في التمرين والإمتحان المهني حملة شهادة الإجازة المحصل عليها في المغرب من إحدى كليات الشريعة ….
  • ما جاء بمقتضيات المادة الثالثة من قانون تنظيم مهنة النساخة بحيث نصت على أنه يشترط في المرشح لمهنة النساخة أن يكون حاصلا على شهادة السلك الأول من الإجازة من أحدى كليات الشريعة ….

ثانيا : إن البرنامج الدراسي المحدد لطلبة كلية الشريعة يعتبر برنامجا متنوعا يتكون من مواد شرعية وقانونية خصوصا المواد المدرسة بكلية الحقوق- فرع القانون الخاص-( العقار بنوعيه المحفظ وغير المحفظ – التوثيق العصري – التوثيق العدلي -القانون الدستوري- مدونة الأسرة- القانون الجنائي العام والخاص- الاقتصاد السياسي- القانون المدني- القانون الاجتماعي –قانون المسطرة الجنائية-المواريث- القانون التجاري- الفقه المقارن بالقانون – القانون القضائي الخاص- القانون الإداري- القانون الدولي الخاص)

وتجدر الإشارة أن كلية الشريعة بفاس حاليا تعرف تحولا كبيرا في مجال البحث العلمي، وهذا راجع إلى إحداث عدة مختبرات علمية بحثية متنوعة من داخل الكلية (مختبر: “المقارنات التشريعية في قضايا القضاء والعقار والاسرة” ، مختبر البحث: “الدراسات الفقهية والقضائية وحقوق الانسان” ، مختبر البحث: “اللغات والتواصل الديني”،مختبر البحث في “الدراسات والابحاث في المالية  الاسلامية والتنمية”  ثم إلى نوعية الماسترات  المفتوحة  من داخل الجامعة ( ماستر القضاء والتوثيق – ماستر العقار – ماستر الأسرة- ماستر المالية الاسلامية ).

إذن يتبن من خلال ما قدمناه في هذه السطور- سواء من جانب المقتضيات القانونية التي تسمح لخريجي كلية الشريعة بمزاولة العديد من المهن القضائية، القريبة من المحاماة، أو من جانب المواد المعتمدة من داخل الكلية، وأيضا إذا استحضرنا التوصية التي رفعها المشاركون( باحثون وقضاة ومحامون ومحافظون عقاريون..) في الندوة الدولية في موضوع مدونة الحقوق العينية وآفاق التطبيق التي احتضنتها رحاب كلية الشريعة بفاس يوم 2-3 يناير 2013 – والتي طالبت الجهات المعنية بضرورة مراجعة القانون المنظم لمهنة المحاماة بشكل يسمح لخريجي لكلية الشريعة بولوج هذه المهنة نظرا للمستوى العلمي والتكوين القانوني لخريجي كلية الشريعة والمتطلبة في المهنة، ثم إذا أضفنا إلى كل هذا الشكوى المباشرة والغير المباشرة من طرف العديد من المحاميين والقضاة في وجود ضعف كبير لدى المحامين في المادة العقارية وبالخصوص دعاوي العقار غير المحفظ ، دون أن ننسى مقتضيات الدستور الجديد التي تنظم المباريات على حسب المساواة والاستحقاق ..

إذا استحضرنا كل هذا تأكدنا من أحقية ومشروعية ولوج خريجي كلية الشريعة لمهنة المحاماة والتوثيق العصري، وعدم صوابية موقف المشرع المغربي في هذا الإقصاء. وعليه لا بد أن يبادر إلى مراجعة موقفه، وذلك بالسماح لهذه الفئة من الخريجين بولوج مهنتي المحاماة والتوثيق العصري بصفة قانونية، وهذا من شأنه أن يساهم في إحياء القضاء الشرعي ببلادنا وإنقاذه من الضعف الذي أصابه بفضل التكوين المزدوج لخريجي كلية الشريعة .

المصدرسميــــــــــر مسعودي طالب باحث بماستر القضاء والتوثيق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.