في ديمقراطيتنا، شيء ما غير طبيعي وغير منطقي: قراءة في نتائج 7 أكتوبر 2016

admin
اقلام حرة
admin17 أكتوبر 2016آخر تحديث : الإثنين 17 أكتوبر 2016 - 12:20 صباحًا
في ديمقراطيتنا، شيء ما غير طبيعي وغير منطقي: قراءة في نتائج 7 أكتوبر 2016
محمد إنفي

تعددت التحليلات والقراءات لنتائج الاقتراع الذي عرفته بلادنا يوم السابع من أكتوبر الحالي، إلى درجة يصعب معها على المتتبع أن يحيط بها كلها. وحسب منطلقات كل قراءة ووجهة نظر كل محلل، تختلف التفسيرات والاستنتاجات والتصورات والسيناريوهات الآنية والمستقبلية.

وبقدر ما تنوعت هذه القراءات والتحليلات، بقدر ما تمايزت من حيث العمق والضحالة ومن حيث الموضوعية والذاتية ومن حيث الحصافة والتهافت، الخ، ناهيك عن “التحاليل” التي تعتمِد المغالطات وتتعمَّد التضليل والتدليس والتلفيق… !

ويمكن اعتبار هذا الأمر شيئا عاديا، مادام يتعلق بمجال ليس حكرا على جهة دون أخرى، وما دامت الوسائل المتاحة (وسائط الاتصال والتواصل) تسمح بذلك. فالموضوع يخوض فيه المحلل السياسي والإعلامي والأكاديمي؛ كما يخوض فيه الفاعل السياسي والفاعل الجمعوي والمتتبع الهاوي والقارئ العادي، الخ. ومن بين هؤلاء تجد من هو متحيزا لهذه الجهة أو تلك ومن يكتب تحت الطلب وبمقابل مادي أو عيني أو معنوي ومن يتوخى الموضوعية في كل ما يكتب ومن لا تهمه الموضوعية والنزاهة الفكرية في شيء.

غير أن نسبة الضحالة والعمق في القراءة والتحليل غير مرتبطة بالتصنيف الذي قدمناه للفاعلين المشار إليهم أعلاه. فقد تجد قراءة لمتتبع هاو أعمق من قراءة لمتخصص. فالأمور تبقى، في مجملها، نسبية وحسب المجهود الفردي المبذول في جمع المعطيات وتحليلها. فكم من مقالة لأناس مشهود لهم بمكانتهم العلمية تسقط في السطحية والتبسيطية والاختزالية لدرجة تبعث على الاستغراب. وكم من مقالة لأناس مغمورين، تجد المتعة في قراءتها بفعل عمق تحليلها وأسلوبها السلس والرصين.

وبما أن هدفنا ليس هو تقييم القراءات المختلفة لنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وتصنيفها، وليس تقديم قراءة عامة وتفصيلية لهذه النتائج، وإنما النظر إليها من زاوية المنطق السياسي لمحاولة معرفة مدى تقدم أو تراجع بنائنا الديمقراطي وممارساتنا السياسية.

لقد سبق أن قدمنا قراءة متواضعة لنسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة (انظر” قراءة في نسبة المشاركة في استحقاق 7 أكتوبر”، موقع “أخبركم”، 13 أكتوبر 2016)، أبرزنا، من خلالها، بعض الأشياء التي تسيء إلى ديمقراطيتنا وإلى مؤسساتنا التمثيلية. ونود، اليوم، أن نعود إلى هذه الانتخابات ونُركِّز، في قراءة نتائجها، على معطى واحد، يبدو لنا غير طبيعي وغير منطقي؛ ألا وهو تصدر النتائج من قبل حزبين: الأول من الأغلبية والثاني من المعارضة، في حين تراجعت كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، سواء التي كانت في الأغلبية أو التي كانت في المعارضة.      

في الديمقراطيات الغربية، يسهل على المرء أن يفهم قوانين اللعبة الديمقراطية ويتمثل قواعدها؛ ذلك أن الأغلبية أغلبية والمعارضة معارضة، ولا مجال للخلط بينهما. وهو ما يُسهِّل فهم واستيعاب المنطق السياسي الذي يحكم اللعبة؛ ذلك أن أدوار الفاعلين السياسيين وأدوار المؤسسات التمثيلية والدستورية يحكمها منطق واضح: فالأغلبية تقدم الحساب، أي الحصيلة الحكومية، عند نهاية ولايتها، والمعارضة تقدم حصيلة مراقبتها للحكومة وتعمل على إبراز سلبيات التجربة وضعف حصيلة الأغلبية طمعا في أصوات الناخبين. لذلك، يكون التصويت سياسيا بامتياز. فإذا كانت الحصيلة غير مقنعة، فالتصويت يكون عقابيا، عملا بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وعند ظهور النتائج، تسود روح رياضية، احتراما لقواعد اللعبة ولحكم الشعب الذي خرج من صناديق الاقتراع. وبهذا، يكون التداول على السلطة سلسا وخاضعا للمنطق السياسي ولطبيعة اللعبة (بالمفهوم الإيجابي للكلمة)الديمقراطية التي هي أرقى ما وصلت إليه البشرية في أسلوب الحكم وتدبير الاختلاف.    

أما عندنا، فيسود “منطق” آخر، لا علاقة له بالمنطق السياسي؛ بل تتدخل فيه عوامل أخرى تفسد قواعد اللعب وتشوه طبيعة اللعبة الديمقراطية.

فمنطق الأشياء يقتضي، فيما يخص الحدث الذي نحن بصدد محاولة فهم نتائجه، أن تفوز الأغلبية بكل أحزابها أو تفشل بكل أحزابها. ونفس الشيء ينطبق على المعارضة.

لكن ما حدث هو فوز الحزب الذي كان يرأس الأغلبية واحتل الصدارة في الترتيب بـ 125 مقعدا(أي بزيادة 18 مقعدا عن 2011) وفشلَ كل حلفائه، بدون استثناء، في الحفاظ على عدد المقاعد الذي حصلوا عليها في انتخابات 25 نونبر 2011. بالمقابل، حل في المرتبة الثانية حزب من المعارضة بـ 102 مقعدا (أي أزيد من ضعف عدد المقاعد التي كانت له في الولاية السابقة) بينما باقي أحزاب المعارضة تراجعوا بشكل ملفت.

فأي منطق هذا الذي يخلط الأوراق بهذا الشكل؟ وكيف يمكن ألا ننظر إلى الأمر بعين الريبة؟ وكيف يمكن ألا نرى في ما حدث أمرا غير طبيعي؟ أليس الهدف هو تكريس قطبية مصطنعة وهجينة من أجل التحكم في اللعبة وتحجيم التعددية الحزبية، خاصة وأننا نعلم أن “البيجيدي” و”البام” هما وجهان لعملة واحدة؟ أليس مثل هذا العبث هو الذي ينفِّر المواطن من السياسية ويشجع على العزوف والمقاطعة؟ وأليس…؟ وأليس…؟ …؟ …؟  

وإذا ما نظرنا إلى ما حدث قبل الحملة الانتخابية بمدة (مظاهرة الدار البيضاء التي تطرح أكثر من سؤال، سلوك بعض رجال السلطة وأعوانها…)، فلا يمكن إلا أن نشك في الأمر، خاصة وأن ذلك صب في مصلحة الحزب الأغلبي الذي، بدل أن يقدم حصيلته الحكومية – التي نعلم جميعا أنها كارثية على أكثر من مستوى- خلال الحملة الانتخابية، انهمك في ترويج خطاب المظلومية وشغل الناس بالحديث عن التحكم للتغطية عن فشله وتبرير ابتزازه للدولة والمجتمع، مستعملا التهديد والوعيد وتخويف الجميع بالفتنة واحتلال الشارع، الخ.

وبما أن الدولة، في شخص الحكومة وأغلبيتها، ضربت صفحا عن مطالب الاتحاد الاشتراكي واقتراحاته التي حملتها مذكرته إلى الحكومة والأحزاب بهدف إحداث آليات قانونية وإجرائية كفيلة بحماية العملية الانتخابية من التلاعب والمساس بشفافيتها ونزاهتها، من قبيل إحداث لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات (وقد تتبعنا ما جرى في اللجنة الحكومية التي كان يرأسها “بنكيران” وما تم فيها من تبادل التهم والتنصل من المسؤولية) ومراجعة التقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع وتجديد اللوائح الانتخابية، وغيرها من الآليات، فلا شيء يمنع من الذهاب إلى القول بأن مهندسي الخرائط الانتخابية لا يزالون يتحكمون في العملية بشكل من الأشكال.

وربما هذا ما حدا بقيادة الاتحاد الاشتراكي، أسوة بقائده التاريخي، الأستاذ “عبد الرحيم بوعبيد”، إلى توجيه مذكرة للملك باعتباره رئيس الدولة؛ ذلك أن إصلاح منظومة الانتخابات، هو جزء أساسي من الإصلاح السياسي الذي طالب ويطالب به الاتحاد كلما دعت الضرورة إلى ذلك.    

المصدرمحمد إنفي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.