انتحار تلميذ: إدانة قوية للسياسة الحكومية

admin
2016-10-02T13:51:30+00:00
آخر الأخبارتربية و تعليم
admin2 أكتوبر 2016آخر تحديث : الأحد 2 أكتوبر 2016 - 1:51 مساءً
انتحار تلميذ: إدانة قوية للسياسة الحكومية

أن يلجأ تلميذ في عمر الزهور من مستوى الخامس ابتدائي، إلى الانتحار مع بداية الموسم الدراسي: 2016/2017، بدعوى عجز والدته “المطلقة” عن جعله قادرا على التباهي بمستلزماته الدراسية أمام أترابه، والتخلص من عقدة النقص التي أحدثها غياب أبيه،  لعمري تلكم فاجعة أخرى تنضاف إلى سجل مآسي طفولتنا، وتعمق جراح مدرستنا العمومية.

    قد نتفهم على مضض إقدام شخص كبير على إنهاء حياته، سواء عبر شنق نفسه بحبل، أو إضرام النار في جسده، أو ابتلاع كمية من الأقراص المنتهية الصلاحية أو تجرع مواد سامة وما شابه ذلك، تحت تأثير ضغط نفسي حاد لم يستطع مقاومته، إثر أزمة مادية خانقة أو قصة عاطفية… لكننا نرفض بقوة انتحار تلامذتنا لأسباب كان ممكنا تجاوزها، كتعرضهم للحكرة والإهانة، أو لعدم قدرة أسرهم على تلبية حاجياتهم المدرسة، كما هو حال التلميذ: أحمد أعراب، ابن قرية واد إفران بضواحي مدينة آزرو، الذي أثار خبر وفاته التراجيدية موجة عارمة من الاستياء في أوساط الأسر المغربية، وألهب النقاش في الفضاء الأزرق ومواقع التواصل الاجتماعي…

    وإذا كان الكثيرون يرجحون فرضية عجز والدته عن اقتناء المستلزمات المدرسية دافعا للانتحار، فإن مدير مدرسته يؤكد تسلمه حصته من دعم “المبادرة الملكية مليون محفظة”، المتمثلة في نسبة 30 % دون أن يكون راضيا، بينما فند والده ما يروج من روايات عارية من الصحة، معتبرا نفسه ميسور الحال بحكم اشتغاله سائقا بشركة ذات شهرة عالمية، وأنه رغم انفصاله عن زوجته وعيشه مع امرأة أخرى، يحرص على إرسال مصاريف أبنائه شهريا بانتظام، وأن ابنه لم يكن يعاني من أي اضطرابات نفسية، بدليل حصوله على معدلات سنوية متميزة. أما الأم المكلومة، فقد ظلت صامتة من هول الصدمة، لاسيما أن ابنها الذي لم تستطع استكمال أدواته المدرسية، تركها بالسوق الأسبوعي يوم الفاجعة الأحد 25 شتنبر  2016 بعد الظهر، وهرع غاضبا إلى حيث كان له موعد مع “الموت” بالبيت.

    وصدق رسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، حين قال: “إن أبغض الحلال عند الله الطلاق”، لما في انفصال الزوجين من تأثير نفسي عميق على الأطفال، مما يقتضي عدم اللجوء إليه إلا عند الضرورة، كاستحالة العشرة بينهما لسوء خلق أو فسق أو أسباب أخرى ضارة بكافة أفراد الأسرة. فالله سبحانه يقول في محكم كتابه العزيز بسورة الروم، الآية 21: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”. وعليه ينبغي أن تتوطد العلاقة بين الزوجين بروابط المحبة والتفاهم مهما كانت الظروف المادية قاسية، من أجل الحفاظ على القيم والمبادئ الإنسانية السليمة وضمان لحمة الأسرة، باعتبارها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع. ولنا في أبناء الشوارع، مثال صارخ على التفكك الأسري والإهمال الحكومي…

    نعم، للأم دور ريادي في بناء جيل المستقبل، إذا ما حظيت بالإعداد الجيد في صغرها، فهي مدرسة حقيقية، تهب أطفالها الإحساس بالدفء والأمان، تغمرهم بحبها الدافق وتسهر على حسن تربيتهم. غير أن هذا ليس كافيا، ولا يعفي الأب من مسؤولياته ومشاركة زوجته في التنشئة الاجتماعية، لخلق جو من التوازن والاستقرار النفسي. وأي خلل في وظيفته الأبوية، يؤدي حتما إلى اهتزاز شخصية الطفل ويؤثر على نموه وسلوكه، ويفقده الشعور بلذة الحياة، لذلك يقول مؤسس علم التحليل النفسي سيغموند فرويد: “لاشيء في الطفولة مهم، بقدر الحاجة إلى الشعور بحماية الأب”. فالأب، بمثابة وتد الأسرة، ليس فقط على مستوى القوة الجسدية والجانب المادي، بل أيضا على المستوى الوجداني والحس بالمسؤولية، وضرورة التواجد العاطفي بجانب أطفاله…

    فالأبوان دعامتان أساسيتان في بناء الأسرة السوية، وهما ضروريان في التنشئة والتماسك والتكافل. وتشير الدراسات العلمية إلى أن الأبناء الذين ينعمون بعطف الوالدين، يتفوقون على غيرهم ممن يعيشون داخل أسر متنافرة أو متفككة، وليس ضروريا عيش الأب بنفس البيت مع أطفاله، فقد يكون مهاجرا أو تضطره ظروف ما إلى الطلاق، لكنه إذا واظب على زياراتهم وشملهم بحنانه، سيجعلهم مطمئنين ومتميزين دراسيا…

    فهل انتحر “أحمد” فعلا بسبب ضيق ذات اليد للأم، علما أن هناك آلاف التلاميذ لا تستطيع أسرهم توفير لهم حتى الحد الأدنى من المأكل والملبس وأبسط الأدوات المدرسية، دون اللجوء إلى الانتحار؟ وهل ما ورد على لسان والده صحيحا، أم مجرد هروب إلى الأمام ومحاولة التملص من واجباته؟  وما جدوى مجلس الأسرة والطفل؟ وأين نحن من مساعدة الأسر الفقيرة وتكافؤ الفرص بين أبناء الشعب؟ إن مصائب تخلي الآباء عن أطفالهم عديدة ومكلفة اجتماعيا، ويعد حرمانهم من حنان أحد الأبوين أو كليهما، واستخفاف الدولة بواجبها نحوهم، أخطر بكثير من الفقر نفسه.

    مؤسف حقا رحيل “أحمد” بشكل فظيع وغامض، مخلفا وراءه قلبا منفطرا لأم علقت كل آمالها عليه، وجبالا من التساؤلات الحارقة، لأن انتحار أطفالنا إدانة صارخة للجميع. وحمايتهم ليست فقط مسؤولية الأبوين والمدرسة والمجتمع المدني، فهي مطلب إنساني ملح يفرض على الحكومة وضع سياسة عمومية فعالة لرعايتهم والاهتمام بشؤونهم، إلى جانب تشجيع استقرار الأسرة، عبر مجموعة من الخدمات الاجتماعية الضرورية من جودة التعليم والصحة والسكن والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية والمجالية…

المصدرمراسلة اسماعيل الحلوتي للجريدة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.