الانتخابات المغربية ووهم التغيير.

admin
اقلام حرة
admin26 سبتمبر 2016
الانتخابات المغربية ووهم التغيير.
محمد أوراغ

قال أوفقير لسعيد بن خضراء الكاتب العام لمجلس النواب  وهو يستلم منه مفاتيح المؤسسة:” ليكن في علمك بأني هنا من أجل القيام بمهمة محددة، هي خرق القانون  ” 1

أعدم أوفقير أو انتحر، ومات البصري منبوذا خارج الحدود، بعد أن قضى عمره في خدمة المخزن بوفاء،وتقلد ذات المنصب بعدهما آخرون، وصار القطار في نفس السكة، سواء كان السائق ماهرا أو متدربا، القضية في غرفة القيادة.

 مضى عهد قديم وسمي آخر جديدا،والقاسم المشترك  هو روح السياسة وجوهرها، ثابت لا يقبل التبديل ولا التغيير.

ما الذي تغير منذ ” الاستقلال ” إلى يومنا هذا؟

يجيبنا المفكر والمؤرخ عبد الله العروي:” المحقق إننا لن نغادر القفص الذي شيده الحسن الثاني وسجننا فيه، إذا استمرت الأمور في هذا الاتجاه،  ولا داعي إلى تغيير الوجهة إذا فضل الجميع تجنب المواجهة.”  2

 يستدعى المواطنون باستمرار للإدلاء بأصواتهم بانتظام، لكن النتيجة هي هي، سلطة لا تتغير رغم صناديق زجاجية شفافة، رغم حضور مراقبين دوليين يدلون بشهادتهم بأن الانتخابات مرت في ظروف جيدة، والمخالفات القانونية لم تعد بذلك الشكل الفظيع القديم. قد بلغت الأحزاب من الضعف مبلغه، وأصابها التشرذم والذبول، فاستغنى النظام عن وسائله التقليدية في العبث بالنتائج مع استمرار ثوابته الإستراتيجية، عدم السماح لأي حزب الهيمنة على الساحة السياسة، وقدرته على تشكيل حكومة بمفرده.وهذه الحكومات بكل أصنافها وتلوناتها كما يقول العروي بحق “تشتغل في مجالات متعددة سوى المجال السياسي، كما كانت تهاب أن تمس حية سامة.وضعت مستقبلها بيد الملك، يحتفظ  بها  ما أراد، ويتخلص منها متى أراد” 3

حكومة منتخبة لا تملك من برامجها ولا من أمرها شيئا، تقضى الأمور في غيابها، هناك حكومة الظل التي تشرف بشكل مباشر على مجريات الأمور، يقول موريس بوتان:” فالديوان الملكي هو بمثابة حكومة موازية يتحكم في النشاط الحكومي برمته.”  كتاب الحسن الثاني ..ديغول..بن بركة ص 95

قال الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في حوار أجرته معه مجلة ” ريالتي” الفرنسية في نونبر1966       لما سألته  عن رأيه في ما يمكن أن يواجه من مشاكل مع الوزراء، فكان جوابه ::” إذا لم يقبل أحد منهم ” أن يحكم”  سأقول لسائق سيارتي كن وزيرا.”  4  

فلا غرابة من تصرف الملك محمد السادس من اتخاذ عدة إجراءات ذات حساسية كبرى، وعلى مستوى توقيتها ومستوى طبيعتها وفي الوقت الذي كان السيد عبد الإله بنكيران بصدد مشاوراته بشأن تشكيل الحكومة الجديدة. فقام الملك:

1_ بتعيين فؤاد علي الهمة العضو المؤسس لحزب الأصالة والمعاصرة والمعروف بمواقفه المناهضة للحركة الإسلامية مستشارا للديوان الملكي، مما سيفرض واقعا سياسيا على رئيس الحكومة الامتثال والانصياع له.

2_ تعيين السيد ياسر الزناكي وزير السياحة سابقا والمنتمي للتجمع الوطني للأحرار مستشارا، وما يحمل هذا التعيين هو الآخر من رسائل.

3_ تعيين الملك لعدد من السفراء والسفيرات جلهم من أطر وزارة الخارجية التي يترأسها الطيب الفاسي الفهري، وهي كلها إشارات واضحة ترمي إلى التذكير بكون مجال الدبلوماسية الخارجية سيبقى ضمن المجال الخاص بالملك. هو المجال نفسه الذي لم يطق وجود السيد العثماني كوزير للخارجية فكان عليه أن يغادر المنصب وبهدوء، وذلك ما حدث بالفعل.

 نجد أنفسنا أمام هيمنة مطلقة للمؤسسة الملكية على النظام السياسي واحتكارها لمعظم الصلاحيات التشريعية والتنفيذية، ويبقى المسار الانتخابي خاليا من أي رهانات سياسية قد تكون لها تأثيرا على جوهر النظام وطبيعته. وضعية شاذة في عالم السياسة، وزراء بدون سلطة ولا سيادة، مقابل امتيازات وإغراءات المال والمنصب، هذه الوضعية لم يقبل بها السيد محمد العربي المساري الذي عينه الحسن الثاني وزيرا للاتصال في حكومة اليوسفي فوجد نفسه ليس لديه أي سلطة على الإعلام العمومي، فقدم استقالته وخرج من الحكومة، عكس السيد مصطفى الخلفي الذي فضل البقاء.

  وزير العدل والحريات يخرج بتدوينة مستنكرا التهميش الذي يعيشه _وا أسفاه_ فيكتب:” وزير العدل والحريات لا يستشار ولا يقرر  في شأن ذلك مما  يعني أن أي رداءة أو نكوص أو انحراف لا يمكن أن يكون مسئولا عنه.” وهل هناك رداءة وانحرافا أكثر من هذه الوضعية؟؟؟

التشكي من ” التحكم ” لا ينتهي وآخرها ما صدر من وزير الإسكان السيد نبيل بن عبد الله ، فتكفل الديوان الملكي للرد عليه مباشرة، أما رئيس الحكومة فقد انتهى به الأمر إلى القول بأنه ” لا يحكم”

إن هؤلاء الذين يشتكون هم أنفسهم المتحمسين للتغيير من خلال ما تفرزه صناديق الاقتراع، رغم أن اللعبة السياسية في وطننا تحدد وترسم بعيدا كل البعد عن إفرازات اللعبة الانتخابية ونتائجها.

والسؤال البسيط الذي يفرض نفسه إذا كانت الانتخابات بهذه الطقوس التي تتم بها هي السبيل لمحاربة الفساد وإحداث التغيير، لماذا لم يحصل أي تغيير، والأوضاع ازدادت بؤسا وقتامة؟.

إن الانتخابات في المغرب فقدت كل المعاني الجميلة، وفقدت معها كل الأمال التي كان يعقدها عليها الكثير من المواطنين لما رأوها أنها لا تنتج إلا نمطا وحيدا، وفريدا في الحكم ،لا يتغير بتغير السنين، ولا بتناوب الأحزاب، إن الانتخابات في وطننا ليس للاستهلاك الداخلي وإنما لإيهام العالم الخارجي أننا أمة ديمقراطية يشارك برلمانها المنتخب في تسيير دفة الحكم. لذا مقاطعة الانتخابات ضرورة ملحة لإنقاذ الوطن من المجهول الذي يصر المخزن بسلوكه وتسلطه ان يوصلنا إليه.

فالأمة التي تساوم على حريتها توقع وهي راضية في الوقت ذاته عن وثيقة عبوديتها.

          

24_09_2016

1 _جون واتربوري  ” أمير المؤمنين والنخبة السياسية المغربية”

2_ عبد الله العروي  “خواطر الصباح” ص50

3_ عبد الله العروي  “خواطر الصباح” ص 28

4_  عبد اللطيف جبرو “عبد الهادي بوطالب مناطق الظل في مسار سياسي” ص 105

المصدرمحمد أوراغ

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.