الدخول المدرسي بين تعليق الأجراس ودق الطبول

admin
اقلام حرة
admin2 سبتمبر 2016
الدخول المدرسي بين تعليق الأجراس ودق الطبول
الحبيب عكي

حدث اليوم،يفيد أن الأساتذة المتدربين وهم على أبواب الدخول المدرسي،والذي يحاول البعض تحويله مع الأسف إلى دخول محرقي يحرق الأخضر واليابس والباقية الباقية من مراكب وربابنة و مرا فيء التربية الوطنية،الأساتذة المتدربون قد عادوا إلى التظاهر من جديد في بعض المواقع التكوينية،واحتجاجا على الوعود المقطوعة والعهود المنقوضة والأوضاع المتردية،فقد قاموا وبشكل جماعي بكسر أقلامهم وتمزيق ما كانوا يهيئونه من جذاذات قبلية في الساحات وتحت الأضواء،بل بحرق شواهدهم العلمية ووزراتهم التربوية في الشارع،ليقطعوا بذلك كل ما يربطهم بهذا المجال التعليمي المشؤوم،والذي قدموا له كل التضحيات والاستعدادات و يأبى هو إلا أن يقدم لهم منذ البداية كل الإخفاقات والعذابات ويعدهم بما لا ينتهي من المشاكل والمطارق والأزمات والمحارق(ادخل راك أستاذ،اخرج شكون قالها لك)؟؟.

وضع كارثي وكرنفال درامي قد سبقهم إليه العديد من أفواج المعطلين الدائمي الاحتجاج والتظاهر أمام البرلمان في العاصمة الرباط،الأساتذة والأطباء والدكاترة والمهندسون،واحتجاجا على ما يرونه غمط الدولة لهم في حقوقهم الدستورية في التشغيل والكرامة،وإصرار الحكومات المتعاقبة على تجاهل ملفهم المطلبي،وعدم الرد عليه إلا بتكسير العظام وإسالة الدماء وتقريب عنف الغيبوبة وفظاعة الإغماء من الجميع،الإناث منهم قبل الذكور والحوامل قبل المرضعات والعازبات،مما فضلوا معه حرق شواهدهم العلمية وبطائقهم الوطنية،لا بل إن بعضهم قد لجأ إلى معابد اليهود وبحار النصارى فأحرق هويته على أرض موطنه،وبعضهم استلهم غضبة “بوعزيزي” التاريخية فأقدم على حرق ذاته ووجوده أمام أعين وشاشات العالم،ليقطع كل ما يمكن أن يلج به رغما عنه في متاهات فصل التكوين عن التوظيف بعد مباراة لا يعلن عن نقيرها وقطميرها حتى يلج الجمل في سم الخياط؟؟.

وبغض النظر عن صوابية كل المواقف من عدمها،فمناقشتها يطرح على الجميع سؤالا ملحا وهو هل أصبح تعليمنا حقا محرقة ونحن الذين كنا نظنه مزرعة طيبة الثمار شجرها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها وتضحيات الفضلاء من رجالها،فما بال المزرعة اليوم قد أخذ بتلابيبها الجفاف و دب في جوانبها الحريق من كل حدب وصوب ونالت نيرانه الحارقة من الكل،فحتى المحظوظون من الأساتذة العاملين في المزرعة عقودا مضت،فقد هدت صحتهم الأمراض النفسية والعضوية جراء ما يحرق أعصابهم كل يوم من الجمرة التعليمية الخبيثة،والتي لازال الجميع يتقاذفها بإصرار ويتفرج المسؤولون والفاعلون على كوارثها باستمرار،الاكتظاظ والشغب الذي لا يطاق في الفصول،التردي التربوي والمعرفي وما ينتج عنهما من الهدر المتزايد،التطبيع المزمن مع ضعف الوسائل ولا إلزامية التفويج والتجريب في الشعب العلمية،ناهيك عن الغش المفضوح في الامتحانات مما يجعل العديد من شواهدنا غير معترف بها إلا عندنا،وغير ذلك كثير مما اضطر معه العديد من ذوي الضمائر الحية إلى أكل جزر كل الدنيا بدل أكل التلاميذ وكسر أيديهم ومساطرهم على الطاولات والسبورات بدل كسرها على رؤوسهم وظهورهم،بل والهروب خلسة واضطرارا إلى مرافئ التعليم الخصوصي أو التقاعد النسبي حفاظا على ما تبقى لهم من الصحة والكرامة؟؟.

هروب قد سبقهم إليه من يسمونهم بأساتذة الإدارة التربوية،والذين يهم العديد منهم مجرد بعض الامتيازات من سكن أو سيارة الدولة والآن حاسوبها وطابعتها وهاتفها وموديمها ومكتبها وكرسيها وكاتبها وحارسها،والتخلص من جحيم القسم وضغوطات المعافسة اليومية والعملية للتربية المباشرة،وليس للعديد منهم أي مشروع تربوي مؤسساتي ولا علاقة له بالتدبير الإداري والرقمنة المنتجة،وكم يحتاجون من ملامح قيادية و إصلاحية و تشاركية و تنموية ميدانية ناجعة،ولا كانت المذكرات التنظيمية المجمدة للمجال ولا الإمكانيات المتاحة فيه تسمح بشيء من ذلك ولا حتى مجرد التفكير فيه والمغامرة في اتجاهه،فالمديرون الجيدون عندنا هم مجرد أدوات في مشاريع من فوقهم بناء وهدما،يطؤون على أنفسهم وأرائهم ويحرقون كينونتهم و مهامهم،ويكثرون عداواتهم وكأنهم يمسخون ذواتهم إلى مجرد جنود وشرطة ودرك وحرس وشيوخ ومقدمين و”رباعة” وكل المهوسون بالضبط والانضباط والنظرة الأمنية الضيقة للأمور والتي قد تذهب بالمرء إلى الوشاية والتقرير ضد نفسه إن لم يجد من يجعله ضحية أو موضوعا لذلك؟؟،لابد من رفع التقرير بما يرضي الجهات المتحكمة والنافذة والمانحة،وعليها ضبط كل شيء دون الالتفات إلى أي شيء من رأي الآخرين ومتطلبات الواقع والحلول الممكنة،عليهم ضبط الإيقاع والأنفاس والخرائط والبرامج والبيداغوجيات والنجاح والسقوط والحيوية والمردودية،وكل السياسات والاختيارات والتأويلات والميزانيات والصفقات وكل المدخلات والمخرجات كما هو لا كما ينبغي،فكان الإصلاح وإصلاح الإصلاح والاستعجال والعبث والهدر والارتجال،ولكن عبثا يحاولون مد قنوات الري في المزرعة والسواقي على طولها أثقب من مثقوبة،لا تكاد رغم ملأ العين تسير فيها قطرة ماء ولا حكمة ولا حكامة وقد طال انتظار الجميع لها في الحقول الميدانية والمؤسسات التربوية على أحر من الجمر دون جدوى؟؟.

انتظار يائس قد طال بأمهاتنا وآبائنا ممن وصلت سفنهم بعد رحلة العمر والمعاناة والكد والجد والعطاء والوفاء والبناء والنماء إلى مرافئ التقاعد،فوجدوها مع الأسف وكأنها برك آسنة من الوقود المشتعل،ويزيد اشتعاله كل مظالم الدولة وحماقات حكومتها التي لا تزيد إلا في تفجير أوضاع المتقاعدين وحرق مراكبهم في مرافئها،زيادة في سنوات العمل وزيادة في اقتطاعات الانخراط في الصندوق ونقصان في مستحقات الاستفادة؟؟.دون اكتراث بمن نهب الصندوق ولا بضرورة ملأه بطرق أخرى ولا بضرورة التجديد الكمي والكيفي للعنصر البشري في كل الوظائف،فكيف بعد كل هذا لا يخجلون من تحويل ما اعتاد عليه الناس طوال حياتهم المهنية من الساعات الإضافية “التضامنية” إلى سنوات إضافية إلزامية لا تطوعية ولا تضامنية،(شي يسرق وشي يخلص عليه من صحتو وبالصحة)،فكيف لا يصبح هذا المتقاعد مرتعا لكل الآفات النفسية والصحية والاجتماعية،وهو الذي مع الأسف لا علمه و خبرته،ولا تضحيته وعطاؤه،و لا كبره ووفاؤه،ولا كل قيم الدنيا تسعفه في شيء ولا يستطيع التعويل عليها في شيء؟؟،الزمن غير الزمن والمفاتيح غير المفاتيح،لذا لا تستغربوا أيها الأساتذة المتدربون وأيها الأساتذة العاملون ويا أيها الأساتذة الإداريون ويا أيها الأساتذة المتقاعدون ويا أيها المحتجون المناضلون…ويا أيها…ويا أيها،ستظلون تحتجون وتناضلون وتحرقون وتحترقون ولا حياة لمن تنادي،ستظل كل صرخاتكم وآهاتكم،ألامكم وآماليكم،صيحة في واد ونفخة في رماد،ما دامت قيم العلم والخبرة التي يثمنهما كل العالم ويقدر أصحابهما ويفتح لهم بها أبواب كل شيء حتى قال:”العلم قبل العمل”،ستظل الهوة ساحقة والمفارقات متضاربة ما أصبحت قيم العلم والخبرة عندنا وكأنهما لا شيء،ولا يسعفان أصحابها إلا في هدر الأعمار والتحصر على الأقدار؟؟.

ما عاد الأستاذ بفرح بالدخول ولا بالخروج ولا بالعمل ولا بالراحة،ولا بالظلم والتعدي ولا بالعدل والإنصاف،ما عاد يفرح بلقاء الأحبة من الزملاء وفلذات الأكباد من الأبناء،وتجديد أواصر الرحم والمعرفة والعطف والمحبة والاحتفاء بقيم النبل والأنسنة والتضحية والعطاء،ما عاد يفرح في المقررات بتجديد وتطوير أو تكريس وتكديس وتقادم،ما عاد يفرح بندوات واجتماعات ونقط وامتحانات وتقارير ومشاورات وأنشطة ومستجدات،وكأنه خارج المؤسسة وهو داخلها وخارج العمل وهو غارق فيه،كيف لا وهو يعلم علم اليقين بأن كل ما ينتظره في كل موسم لا يعدو أن يكون نسخة لغيرها من المواسم،لا لون لها ولا طعم ولا رائحة،كلام في كلام لا يجيزه غير الصمت والصمت علامة الإجبار لا معنى ولا فائدة،فالمذكرة هي التي تقول ولا رأي بعد المذكرة ولا حتى في فهمها وتأويلها على وجه المصلحة العامة للجميع،المهم محاضر أولية ومحاضر مضادة،وزيارات ميدانية وزيارات مضادة،وتقارير علنية وتقارير مضادة،وإحصائيات فاضحة مرقمة وإحصائيات مضادة،ونقابات تمثيلية مناضلة ونقابات مضادة،وحصة كاملة وأقسام مكتظة،وكتب ودفاتر مغلفة معدة،ولوحات وطباشير وأقلام في أيادي مجدة،ومحافظ لحاملي أوزارها وأكتافهم مهدة؟؟،تقليص بنية وتفييض عاملين ليتعسف عليهم في إعادة الانتشار دون معيار ولا اعتبار،وللمسؤول حق اتخاذ القرار في كل ما يراه مناسبا لتدبير مزرعته التعليمية ولو بالتعطيل والتأويل والبدعة والابتداع بدل الاجتهاد والتعبئة والإبداع،إلى غير ذلك كثير مما يجعل كل خيارات الأستاذ اثنان لا ثالث لهما “يا حارق يا محروق”،فيفضل الخروج من المؤسسة المزرعة وهو بداخلها والخروج من العمل وهو غارق فيه وكأنه المتقاعد العامل؟؟،وسيظل هذا المتقاعد المسكين لا يسعفه عندنا إلا بيع كل ما اكتسبه خلال رحلة العذاب والشقاء،سيارة مهترءة إن كان له حظ امتلاكها،كراء دكان بأزهد الأثمان ورهن حقل أو بستان في أي مكان،تفويت أسهم في مشروع واقتراض الديون على الديون،وبيع مفاتيح السكن،فبيع المشروع والسكن والقبر والكفن،حتى يخرج من الدنيا كما جاء إليها مستخدم بلا شيء،وليحمد الله إن لم يورث أهله استمرار الأزمة والتعاسة والشقاء:لا راحة ولا سياحة،ولا مشروع ولا تجارة،ولا حج ولا عمرة،فمسلسل الحرق والإحراق يطال الجميع،فمن حرق الشهادة إلى حرق البطاقة،فحرق الأعصاب وحرق الكينونة والهوية والماهية،وحرق الأجرة والسكن والقبر والكفن،ما دمنا ندق لهم الأجراس ويدقون لنا المسامير والمزامير والطبول؟؟،ولكن لا خيار لنا في الختام أخي الأستاذ،والمواطن والفاعل والمسؤول،إلا الاستمرار والصمود في معركة إعادة المعنى والمبنى إلى الأشياء كل الأشياء،إلى اليقين  في قناعتنا وطاقاتنا ودوافعنا،إلى سلوكنا ومواقفنا الإيجابية البناءة وهي الأبواب الواسعة لإعادة الروح إلى تعليمنا بما يصلح أمر العباد ويحقق التنمية في البلاد،وفي عودة تلك الروح اتقاد أرواحنا وزوال همومنا وتربية وتعليم أبنائنا وبناء أوطاننا والعكس،لذا لابد من قول نعم لما يستحق وقول لا وألف لا لما لا يستحق والإصرار على ذلك حتى يتم إصلاحه ويستحق،فقط لأن في ذلك المعنى كل المعنى،و في غياب بوصلة المعنى والمعايير والمبنى سيظل الحرق والإحراق في كل الوظائف عامة وفي التعليم خاصة قدر والموظف مقدوره،حطبه و رماده ودخانه أو ذهبه وخالصه ولمعانه، فمزيدا من تعليق الأجراس ودق الأجراس،وكفانا من دق المسامير والمزامير والطبول،”والله يسهل على الجميع،ويعاون الجميع،وعودة ميمونة للجميع،الطاقم التربوي والإداري والتلمذي والأسري والمدني وكل الأطقم،والله يتولى الجميع ويهدي الجميع،ويكمل ما تبقى على خير،ويقاد البصر مع العمر…آمين”؟؟

المصدرالحبيب عكي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.