حب متمرد

admin
اقلام حرة
admin8 أغسطس 2016
حب متمرد
عبد الخالق الوافي

الجزء الاول

     في أحد الأيام  من شهر يناير جلست وحيدا أمام كلية الآداب بأكادير منتظرا قدوم الحسناء التي أحسنت إلي في عدة مواقف ،وأنستني غربتي و أعانتني على تجاوزها صعب علي تجاوزه  في مدينة الغرائب و العجائب ، بل سرقت قلبي في لحظة لم يقوى قلبي على فك أسره من قيود العشق . جلست ألتقط بعضا من لقطات هذه المدينة بأناسها  وجوها المعتدل الذي لطالما ألهم إلى فكري بهمسات الأمل من جهة  و الثورة و التمرد على تقاليد أجدادي  في حين أخر ،هذه المدينة التي تحتضن مختلف الثقافات التي  تشعبت فيها ثقافة الأمازيغ باختلاف لهجاتهم . هنا رقص الطلبة أحلى الرقصات على أنغام التسامح أحيانا والتعصب و المواجهات أحيانا أخرى .جلست في هذا المكان الجميل و الكثير من العشاق يمرون من أمامي وقد حاولت في كل مرة أن أقرا بعضا من نظرة الناس إلى هؤلاء الذين  ارتديت رداءهم فحرك ذلك إحساسا بالطمأنينة و الخوف من مما يخبئه لنا المستقبل في هذه العلاقة التي قد ينبذها المجتمع إن تعلق الأمر بالزواج بين ثقافات مختلفة اللغات . لقد جلست ونسيم الربيع مازال يلي بضلاله على محياي في انتظار التي كسرت القيود عن هذا القلب الذي أسره الماضي بأعرافه ونغماته المنكسرة لتلجه بكلماتها الرنانة ، لتحجز لنفسها تذكرة الإقامة و التجوال في مختلف جنباته دون أن يعكر صفو حياتها سوى الخوف من مستقبل مجهول وعلاقة تتمنى نجاحها رغم كل المعيقات الاجتماعية التي تظل دائما حاجزا أمام تلاحم  الثقافات و زواجها  . عندما قدر لنا اللقيا ذات يوم بين أروقة أكادير، يوم صادقتنا  الصدفة و أملت علينا بعبيرها ، تذكرت يوم بلغت من عمري الخامسة  عشرة من عمري ، يوم رأت عيناي عينا الحسناء التي لف الغموض جانبا من حياتها ومن حياتي أيضا  .فبالرغم من أني لم أفاتحها في يوم من الأيام بهذا الإحساس وهذا الشعور النبيل الذي  يسري في عروقي  إلا أن شعورا داخليا عفيفا خالجني و غلب على جوارحي وقواي لينزوي بي  إلى قصرها . هكذا كنت أمر من أمامها مطأطئ الرأس ، مسرعا في خطايا محاولا إضمار ما يخالج قلبي المتألم وهو يخفق بأعلى قوة ، هكذا كانت تمر من أمامي مكتفية بالتحية المحتشمة دون غيرها ،دون أن تنبس بكلمة أخرى قد تخفف من خفقان هذا القلب الذي نطق   فيه الحب والعشق أولى حروفهما  و بنى فيه  العش للأخر دون ادن مني .

        ربما  أبدو لك  كالعاشق الولهان مثل علاقة روميو  و جولييت ، ربما أكون بالغت في  وصف هذا الحب الغريب لكني لست أدري فالكلمات تغلب إحساسي و ترغمني أن أعتنق ما قد لا يعتنق في زمن أصبحت فيه نظرتنا إلى  الفتاة مجرد جسد لإسكات وإشباع  رغباتنا ، لست أدري   إن  كانت تفكر في كما أفكر فيها الآن  أم  أنني مجرد عبير سبيل في قلبها،  أم أن  هناك من سبقني إليها فأسر قلبها بكلمات المال و النسب . ربما لأن جمالها يعرف كيف يستولي على القلوب و  يخترق الحصون .

إنها  ليست كأي فتاة أعرفها في  عمق تفكيرها رغبة في كسر قيود الزمن الغابر الملئ  بالعقد و الخوف من المجتمع  و في كلماتها  لامست هوية و ثقافة  لشعب يريد التحرر و الانعتاق  و في  نفس الوقت رؤية بعيدة المدى لمستقبل تكون فيه الفتاة مصدرا لصناعة القرار  في بلادنا ، لقد وهبها الله جمالا و قلبا مليئا بالحب والعطف فكانت  محور حديثنا في كل رواق نناقش فيه الإرث الثقافي و وما تشهده الساحة السياسية من تغيرات ، وملهمة لأغاني  و  حديث العشاق و المحبين . أتذكر أن احد زملائي  أيام الثانوية أطلق عليها أميرة الحسناوات الجميلات اللواتي ملأن بضجيجهن و ثرثرتهن صفوف الدراسة و التي لا تنقضي و لا تنتهي حتى بولوجهن قفص الزوجية  فقط لأنها  سمة النساء و التي مافتئت تتغلغل في أحاديث الرجال  في  المقاهي .

خلال تلك الأيام التي اضمحلت كالضباب ، يوم  غلب الخجل تعاملي و  حركاتي ، والخوف من أي ردة فعل لا تحسب عقباها  ، كان الصمت ملجئي لأضم فيه الفتاة إلى أحضاني لأنعم برائحة جسدها الناعم ، لأتحسس خذيها الجميلين و شفتيها اللتين تقولان القليل  و تخفيان الكثير من الأفكار ، لجأت آنذاك إلى الصمت لأنه لا يهوى  و لا يعشق غير الوحدة لأني لم أكن من صنف الذين يفرضون أنفسهم على كل جميلة حسناء ولم أكن آنذاك أمتلك كلمات الإغراء التي تقيد القلوب وتغري أجمل الحسناوات الجميلات . في صفنا كانت التقاليد تقف عائقا أمام كل علاقة غرامية بين الفتاة و الشاب لكن رغم ذلك فالعديد من العلاقات قد مورست في الخفاء بعيدا عن العيون و رغم ذلك نتغنى بأننا مجتمع محافظ أما أنا   فكنت أكتفي بمحاورة نفسي مغازلا الحسناء عبر الخواطر التي مازالت أوراقي تحتفظ ببعض آثارها :

ما أجمل الفراق

يا ساحرة القلوب

كنت جميلة وصرت أجمل

في خاطري و في  قلبي

بنيت لك قصرا من أربعة فصول

وكتبت على أبوابه

أعذب قصائدك

لأرى فيها صورتك في كل الفصول

أحببتك وسأظل احبك

ما أجمل الفراق

إن زاد حبي  لك

وأضاءت ما حوله كل النجوم

أحببتك منذ الوهلة الأولى

ولم أتوقف دقيقة

لأسألك من أنت ؟

لأني صادقت قلبي

فيل أن أصادق عقلي

منذ البداية أعلنت الكتمان

لكنك أدركته دون ادري

أدركت أني  احبك

دون شروط  ودون عنوان

أدركت أن الفراق مر

و اللقيا حلو

وكلاهما زاد الحب

الذي اسر القلوب

واستعصى على العلماء فهم أصوله

فهم للأشياء يفقهون وللحب جاهلون

ما أجمل الفراق

وما احلي لقياك

بعد طول غياب

وما أصعب فراقك حين تؤلف

القلوب قصيدة الوصال

فمن منا لا يذكر هذه القصائد التي ملأنا  بها صفحات أوراقنا  بأعذب القصائد والأحاسيس و المشاعر  وأجمل الكلمات ، من منا لا يذكر هذه الكلمات التي يؤلفها كل  واحد منا ليعبر فيها عن إعجابه بالحسناء  وكل فتاة راودت خيالنا الواسع  و أحلامنا ، فمنا من كتبها وأرسلها عبر صديقة أو صديق في انتظار جواب قد يحرجه برفضها  أو بجواب قد  يحجز به  مكانا في قلبها  ،  ومنا من  يؤلف القصائد ليل نهار دون أن يملك الشجاعة الكافية ليرسلها إلى حبيبة قلبه محتفظا بها بين أوراقه المبعثرة المشتتة مخففا بها عذاب الوحدة وانكسار أحاسيسه و مشاعره  ومستأنسا بكلماتها كلما ضاقت نفسه من الشوق والحنين إلى التي عشقها  القلب وتعذب بكتمانه لحبه لها فبذلك يكون حبيسا لحب من طرف واحد .

      أحيانا أتساءل مع نفسي محاولا في كل دقيقة و في كل ثانية البحث عن إجابة شافية ، لماذا أعود إلى هاته الأوراق و الصفحات التي ملأها الغبار . ماذا تكتنز يا ترى من خبايا و أفكار . إنها ثقافة الشوق و الحنين إلى أيام الماضي و تلاوينه  وذكرياته  السعيدة و الأليمة حيث أتمكن من الالتحاق بالحسناء في وعاء الحب بين طبيعة الألفة و الاغتراب ، هناك أتمكن من التعبير بكل عفوية عن إعجابي دون خوف أو خجل  من التقاليد،  و  محاولا تعلم أبجدية العشق و الحب عبر الكلمة الجميلة  التي أصف فيها الفتاة بأجمل الكلمات و أعذب الألحان  لتصير في قاموس أحلامي أميرة الجميلات تكسر جمود الحياة التقليدية لتلج عالم الإنتاج و الإبداع  متجاوزة أحيانا ما كان حكرا على الرجال  .

       كل شيء جميل في هذا العالم و أجمل ما جاد به الخالق علينا المرأة التي يرغمني  دائما خيالي على مغازلتها  بالكتابة و الغناء  على الوثر متلهفا رؤيتها  ومعانقتها  تحث ظلال  أشجار الربيع التي أثث النسيم جنباتها ، جالسا بجانبها بشاطئ البحر في انتظار معانقة لحظة الغروب دون أن تنبس أو تهمس إلى مسامعنا  بكلمة قد نتفارق على إثرها . لقد راقبنا معا لحظة الغروب  والعشاق يدركون هذه اللحظة الجميلة لكنهم لا يدركون ماهيتها فيظلون منتظرين شروق غذ أفضل .

مرت الدقائق  ومازلت أرقب المارين  معيدا  بعضا من الذكريات  محاولا الانتعاش  ببعض عبيرها  و بعد لحظات لامحت عيناي فاطمة بجانب زميلاتها . لا أستطيع أن أنكر أنها الوحيدة التي امتلكت الشجاعة لتبوح لي بإعجابها بعد أنهكتها بالغزل  في كل نظرة و في كل لقاء على ضفاف الشاطئ وفي أحضان الحدائق و في كل كلام لتضم وحدتها إلى وحدتي  مستمتعة بكل الدقائق رافضة  التعلق  بالماضي الغامض و أوهامه  و أساطيره التي تعترف بكل شيء  إلا الحب فتقيده وكأنه كائن منبوذ و  غير مرغوب فيه في حياتنا   إنها تحاول بكل قواها الهروب من ماضيها و حياتها المقيدة بالكلام الجارح والمهين و مستشرقة المستقبل ببصيص  من الأمل . و بعد هنيهة ودعت  الأميرة زميلاتها متجهة نحوي  فحيتني بأحسن التحيات و رديت عليها بمثلها و أمسكت يدها متحسسا حرارته و متمعنا في عينيها الجميلتين و اللواتي يحاورن الصمت والوحدة منذ زمان ، فلما ارتمت في حديقة وحدتي  تناغمتا  وتناسقتا في إيقاع  شعر السياب و لغة جبران السحرية  التي تغرق العقول قبل القلوب في بحر الحب .

المصدرعبد الخالق الوافي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.