معتوب لونيس، مدرسة النضال الأمازيغي

admin
اقلام حرة
admin1 يوليو 2016آخر تحديث : الجمعة 1 يوليو 2016 - 9:59 مساءً
معتوب لونيس، مدرسة النضال الأمازيغي
لحسن أمقران

بحلول يوم الخامس و العشرين من شهر يونيو هذه السنة تكون ثمانية عشر سنة قد مرت على اغتيال أحد أبرز وجوه التحرر الثقافي والهوياتي بشمال أفريقيا، إنه رمز التحدي الأمازيغي في أجل وأقوى صوره، انه الراحل الذي جعل القضية الامازيغية قضيته الاولى وعاهدها على الموت من أجلها، انه المناضل الذي تجاهل لغة التهديد وسياسة الاختطاف، انه المناضل الذي حمل القيثارة الرشاشة، انه صاحب الحنجرة التي تزرع الأمل وتحيي الصمود، انه المناضل الذي لم يستسلم للاغراءات بعد ان تحدى قبلها الوعيد.

معتوب لونيس أستاذ النضال الأمازيغي بامتياز، ذلك المصباح المنير لكل سائر في درب الامازيغية، انه الرمز الذي وشم ذاكرة الاحرار وسيظل، كيف لا وهو القائل أنه يفضل أن يموت من أجل افكاره على ان يموت على فراش المرض أو الشيخوخة. ان هذا اليوم، حيث نستحضر رحيل هذا الهرم، يوم سيظل يعني الكثير لكل آمن بالرسالة الأمازيغية. لقد
كان يوم 25 يونيو 1998 نهاية مؤلمة و فاجعة مقرفة… رصاصات التطرف والغدر تخترق جسد رمز التحرر بالمغرب الكبير، رمز اختار التمرد على كل شيء، لتنطفئ برحيله كبرى الشموع التي تنير طريق الأحرار بشمال أفريقيا، وإحدى أهم و أقوى شرارات النضال في تامازغا…انه معتوب وما أدراك ما معتوب.

كتب هذا الزعيم الظاهرة سيرة ذاتية عن حياته بكل الجزئيات، في كتاب بعنوان (المتمرد)، استعرض فيها عالم طفولته وقريته وظروف الثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي ثم فترة ما بعد الاستقلال والتي تميزت بانقلاب شركاء الامس ضد الأمازيغ الذين ساهموا بأكبر الجهد والجهاد في إشعال نار الثورة الجزائرية ضد الفرنسيين.

منذ سنوات طفولته الاولى أبان هذا “الطفل المشاكس” عن موهبة كبيرة وقدر ملفت من الشجاعة والإقدام، خصوصا أن وضعه العائلي جعل منه طفلا مشاكسا حيث كان “الرجل” الوحيد في “عالم نساء” و هو ما جعل منه طفلا مدللا، كان دوما يقدم على أعمال تتجاوز سنه بكثير، ترعرع في جبال “دجردجرا” وسط عائلة متواضعة، وكان أبوه مهاجرا بفرنسا، مما جعل والدته تقوم بدور الأب والأم في نفس الوقت في تربية المتمرد الصغير، فضّل المتمرّد الحقول واللعب بالقرية بديلا عن قاعة الدرس. كان يحس بالملل والضجر داخلها و كان يعتبرها سجنا يفقده حرّيته التي أرادها مطلقة. تعوّد على التسكع عوض الذهاب إلى المدرسة، يقضي معظم أوقاته في نصب المصائد للأرانب بدل الاهتمام بالدروس.
بدأ وعيه بالهوية الأمازيغية مع الروايات التاريخية التي كان يسمعها عن الملوك الأمازيغ من أمه، الشيء الذي أدى إلى ولادة شعور هوياتي مبكر لديه. دأب على القيام بألعاب حربية مقلّدا رجال المقاومة وكانت رغبته في التواجد ضمن صفوف المقاومين كبيرة، يتفاعل مع كل صغيرة وكبيرة تأتي من ساحة القتال، بل ويقدم على مغامرات بفعل شجاعته الكبيرة، حيث يقول في الفصل الأول من كتابه “المتمرد”:
في يوم ما، قدم عندنا جندي فرنسي ليبتاع منا أرنبا وبعد ذلك بأيام شاهدنا الأرنب نفسه لدى ذلك الجندي وهو لا زال على قيد الحياة، ساعدتني أمي لتسلق حائط الثكنة من أجل استعادة الأرنب، أسبوع بعد ذلك، أعادت أمي الأرنب نفسه لذلك الجندي، وبمثل هذا الفعل كنا نعتقد أننا نصبنا الفرنسيين، ربحنا مرتين ضعف مبلغ مالي دون ضبطنا متلبسين. في الأيام الموالية كنت أترصد المعسكر لكن لا أثر لأرنب فيه«.

ما بين (1963-1964) التي تميزت بسن سياسة التعريب، تنامى التاريخ والوعي بالهوية الأمازيغية لدى “معتوب” فوقف رافضا سياسة التعريب التي نهجها النظام الجزائري والتي كانت تهدف إلى محو الإرث التاريخي الأمازيغي، فاستعرض “لوناس” القمع الذي تعرضت له الهوية الجزائرية من طرف النظام العروبي الحاكم، وتمسكه بأمازيغيته.
ويروي “معتوب لوناس” أيضا فترة خدمته بالجيش الجزائري بالتفصيل، ويبين صورا من الحرب بين النظامين المغربي والجزائري، فقد صادف التحاقه بالجندية، انفجار قضية “أمغالا”، حيث وجدت الجزائر نفسها مرة أخرى في مواجهة المغرب وتشابكت القوتان، عيّن فقيدنا في مصلحة المعدات العسكرية، وهو ما أتاح له معاينة الوضع، وجعل الفقيد يقاسي كل أشكال الشطط في الثكنات العسكرية.

تولى مهمة الحراسة وتألم لرؤية آلاف المغاربة “يغادرون” الجزائر بعد قرار بومدين بطردهم، أحس “معتوب” وهو يرى المغاربة يهجّرون من الجزائر بالغبن أمام قرار سياسي يعتبره وصمة عار كبيرة على جبين الجزائر، تنبأ بحرب “عبثية” بين الطرفين، و أكد أنه لو أرسل إلى جبهة القتال فلن يكون قادرا على إطلاق ولو نصف رصاصة على أشقاء له من القطر الجار. كانت العقوبات والإهانات ما ناله “لونيس” من خدمته العسكرية مما ولد بداخله حقدا عظيما للجندية وللعدوان اللذين يختلفان عن قناعته ورغبته.
ككل الفنانين الموهوبين وبعيدا عن المعاهد الموسيقية الراقية، كانت قيثارته الأولى من القصدير وأوتارها من خيوط الصيد، عبرها أبحر في عالم الموسيقى يحيي الحفلات بتيزي وزو، وقد جعل منها أداة لإيصال رسالته، فغنى عن الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي كانت تعرفها القبائل خاصة والجزائر عامة، لم تكن واقعة 20 أبريل 1980 لتمر دون أن تؤجج حماس والتزام “معتوب”، والذي جعل الربيع الأمازيغي الذي نظمته الحركة الثقافية الأمازيغية والقمع العنيف من طرف النظام بداية الشرارة التي أطلقها عبر غنائه ضد التطرف والقمع والعنصرية، تفاعل “معتوب لوناس” كان حيا وبيّنا…
كانت قيثارته وسيلته في ذلك، “معتوب لونيس” اذا يعتبر من أشهر المغنين والموسيقيين في شمال أفريقيا بسبب لونه الغنائي وصوته المميز وأيضا بسبب مواقفه السياسية المعارضة للدولة وسياسة التعريب القسري، ولمساندته للقضية الأمازيغية الجزائرية وفكرة اللامركزية. تعلم لونيس الغناء بشكل ذاتي وهاجر لفترة إلى فرنسا ثم عاد إلى الجزائر. وأصدر العديد من الألبومات الغنائية الأمازيغية الناجحة آخرها ألبوم أمازيغي بعنوان “رسالة إلى…” والذي صدر بعيد اغتياله.

كان الراحل يجهر بأفكاره حول العلمانية والحرية والديموقراطية والأمازيغية، مما أدى إلى ازدياد سخط النظام الجزائري والجماعات الإسلامية والأحزاب العروبية . في أكتوبر 1988 بدأت الأحداث تتوالى في الجزائر والمواد الغذائية الأساسية تشهد زيادات صاروخية في الأثمان، كانت بوادر أزمة اقتصادية خانقة بامتياز ما أدى الى ارتفاع حركة الاحتجاج أسفرت عن قتلى وجرحى، وبحكم طبيعة الشخصية القبائلية، التي تعودت على الانتفاضات الشعبية، تم اعلان حالة الطوارئ، لكن “معتوب” لم يتوان في توزيع المناشير إيذانا بانطلاق الثورة، ليبدأ مسدس النظام في ترصده، قبل أن يتمكن من اصابته برصاص غادر انتهى به في غيبوبة، قبل أن يخرج من المستشفى وهو يشكو من إعاقة جسدية. وبفعل الضغط الجماهيري تم نقله الى فرنسا بعد رفض تام للفكرة، هناك تمت معالجته وعاد يحمل كيسا طبيا، انفجر وهو يتابع مباراة في كرة القدم في القبائل، معتوب ذاق المرارة والألم أكثر من أي آخر،  لكن ذلك لم يمنعه من الغناء من أجل الحرية والعدالة والمساواة وضد القمع والتطرف الديني الأعمى.

معاداته للتطرف الديني جعل الاسلاميين يترصدونه، توصل بعدة رسائل مجهولة تحمل عبارات شديدة اللهجة، بطريقة مباشرة أو عبر بعض معارفه، كتب اسمه وصار واحدا من المسجلين في القائمة السوداء لدى هؤلاء، وقبل اختطافه بثلاثة أشهر، علقت مناشير على شوارع تيزو وزو تنذر بالفاجعة التي كانت منتظرة، أثناء عودته من الجزائر العاصمة في 25 شتنبر 1994، في جو مطر، وقف معتوب في إحدى المقاهي في الطريق لأخذ قسط من الراحة ، لكن العصابة التي تنتمي إلى “الجماعة الإسلامية المسلحة” اقتادته إلى مكان مجهول في معسكر هذه الجبهة المتطرفة.

كان الضغط الشعبي مرة أخرى مفتاح خير على المغني المتمرد، واطلق سراحه ليطلع الناس على فظائع تلك المخيمات، حاملا معه رسالة من المتطرفين بأنهم “ليسوا قتلة وكل ما يريدونه قيام الجمهورية الإسلامية ويطلبون من سكان القبائل الكف عن الوقوف في وجههم” وبدأت الأصوات تتعالى معبرة عن فرحتها لإطلاق سراحه.


في 25 يونيو 1998، على الطريق المؤدية إلى قرية “تاوريرت ن موسى” قرب “تيزي وزو”، كانت اللحظة الأخيرة في حياة المناضل الأمازيغي الكبير “معتوب لونيس” الذي اغتالته أياد نتنة وعقول لا يتعدى تفكيرها الأحادية والفكر المطلق والتعصب الديني، يوم فقد فيه الاحرار أحد أبرز المناضلين الأوفياء للقضية الأمازيغية، الذي اتخذ من الأغنية الملتزمة والشعر الهادف أداة للدفاع عن الهوية والثقافة الأمازيغية.

كانت نهايته حلما يتحقق لأعدائه من الاسلامويين والنظام العسكري الجزائري، كان كتابه «المتمرد» وثيقة تاريخية حية تشهد على تحولات الجزائر المعاصرة بآلامها وآمالها وطموحاتها ومفارقاتها أيضا، أسد لا يتعامل مع الهدن الممنوحة من جماعات “ظلامية” و أنظمة غاشمة يجمعهما التطرف والعنصرية، كانت الفاتورة التي دفعها “لونيس” غالية جدا…انها حياته التي تبقى أغلى ما يملك بني البشر، إيمانه الراسخ بالقضية الأمازيغية جعله يعتبرها مسألة حياة أو موت.

تعلمنا منه دروس الإقدام والحرص على الشرف والسير قدما حتى تحقيق كل المطالب المشروعة، تم اغتياله اذا من طرف مسلحين ملثمين حينما كان خارج مدينته وهو يقود السيارة، وتسبب اغتياله في قيام مظاهرات احتجاج كبرى في المناطق الأمازيغية الجزائرية أدت إلى مواجهات بين آلاف قوات الأمن وعشرات الآلاف من الأمازيغ الغاضبين التي اتهموا الحكومة الجزائرية بقتل مغنيهم المحبوب.
تم تنظيم جنازة مهيبة له حضرها عشرات الآلاف من الجزائريين. وتصدر خبر اغتيال “معتوب لونيس” الأخبار في وسائل الإعلام المستقلة في الجزائر والمغرب وأهم وسائل الإعلام الدولية.

.في الأخير، “معتوب لونيس” أستاذ ملهم، تخرج من مدرسته كثير من الشباب الذين حملوا وسيحملون المشعل من ورائه في المغرب وفي عموم “تامازغا”، وما الراحلين “نبا” و “ئزم” إلا نموذجين حيين لشباب وهبا حياتهما للقضية الأمازيغية  وحملا فكر أستاذهم الذي سبقهم ببضع سنين إلى دار البقاء، وسنبقى نستلهم منه شجاعته وتحديه، وإيمانه برسالته دون كلل و لاملل.

المصدر لحسن أمقران

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.