رمضــان و عبَاءة التـــديُّنِ

admin
اقلام حرة
admin22 يونيو 2016آخر تحديث : الأربعاء 22 يونيو 2016 - 10:39 صباحًا
رمضــان و عبَاءة التـــديُّنِ
محمد بوطاهر

صحيحٌ أن شهر رمضان شهر الغُفران والقُربات والأجواء الروحانية التعبُّدية، وهو شهرٌ ميزه الله تعالى بنزول متن القرآن الكريم، وحبا عباده فيه بالعبادة ومضاعفة الأجر والحماية من الشياطين المُصفّدة التي تجعله – جدلا – في الأشهر الأخرى المتبقية يعيش مرارة وضنكا. إنه باختصار شديد حيز زمني تتسامى فيه روح العبد وتقترب أكثر من أبواب الفضل والرضوان. وهي فرصة ثمينة لتغيير النفس ومُراجعتها وتصحيحها وتذكيرها بالهُوية الدينية، التي أحيانا تغيب عن الفرد بسبب زحمة الحياة وكثرة صُروفها، ولذلك تنتشر طقوس النفاق الديني وازدواجية الممارسة التعبّدية، و ويتهافت الناس على القربات والجلابيب والعفو عن اللحى وكل مظاهر شبه الجزيرة العربية قبل أربعة عشر قرنا خلت. فلم كل هذا الانفصام المقيت والدّين هو نفسُه في كل الأوقات والأزمنة؟

لم يترك السّلف بابا في أمور الدين الا طرقوه، ولا مجالا الا دشَّنُوه بالقول الثاقب المرصُوص، فتحدثوا عن الشهر الكريم وشروطه وواجبات الفرد فيه وما يجب الالتزام به لصحة صومه وقيامه. غير أن الواقع الذي نعيشه فيه جعل من كل ذلك الخطاب الديني الخاص برمضان، طقسا مسْكُوكا لا يتغير ولا يريم، حتى غدا ممارسة اعتيادية جوفاء، مفروغة من محتواها الروحي النفسي الذي من أجله سُنّ الصيام وضعّف الأجر ، فنتج عن ذلك نفاق اجتماعي بعباءة الدين والحُسْنى، يُسهم فيه الانسان بشكل تطوعي تحت رعاية الاعلام والجهات الوصية على أمر العقيدة والدين في هذا البلد، في إبراز الوجه الاخر للمسلم – النموذجي المنفتح- في القرن الواحد والعشرين، مسْلمٌ يجمع بين المتناقضات، حيث يمسك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الشمس الى غروبها ، يصلي و يدعو، وفي الوقت نفسه يحشر حواسه في ملذات الحياة ومتعها ،فهو لا ينسى نصيبه من الدنيا، تراه بعد التراويح الى الحانات و حدائق الغواني مهرولا وملهوفا، وبأرصفة الشوارع بالمقاهي يحصي كل صغيرة وكبيرة تمر أمامه ويعدها عدّا.

هذا التباين – التناقض- هو في الحقيقة ما دفعني الى كتابة هذا المقال، آملا  أن أستنبط بعض ما ينير هذا الاحساس الذي أشعر به من أن صوم رمضان طقس مَبْقُور الحشا وغير ذي جدوى في هذا الزمن المعاصر. طبعًا دون أخذ مساحة كافية للتفكير الجيد، سيقول البعض أن الأمر نابع من ضعف الايمان أو سوء فهم المقاصد من الفريضة تلك أو هو في أسوء التقديرات توجه نحو جماعات آكلي رمضان، لكن ذلك كلّه زعم مجانب للصواب، فكلامي مجرد تساؤل بسيط استقيته من الواقع وما نشاهده – يوميا- من تجليات رمضانية لا تستقيم والمنهاج الصحيح، سلوكات تطبَّع بها الناس واستأنسُوا بها حتى غدا التسكع والركوع سيان، ومن يكذب أو يسرق أو ينهش في أعراض الناس غيبة في بياض النهار، هو نفسه بلحمه ودمه من يستنجد بالصفوف الاولى في التراويح عابدا ومستغفرا ربَّه تعالى آناء الليل، واثقا أن العمل الثاني يمحي العمل الأول. وأن الدين الصحيح هو الذي لا يُجْهَرُ بحرامه ولا حلاله. إنه عبثٌ مُشرع نحو التيه والممارسة العقدية المجنونة، خاصة تحت صمت أولي الأمر  ومن بيدهم مفاتيح العلم والتدبير الصحيح للدين القويم، وأيضا بمباركة الجهات الوصية التي أرادت – من خلال توجهاتها المقصودة- أن تبقى الهُوية العقدية مجالا يفهمه الناس كلهم ويتحدثون في مُجمله ومفصله ويجتهدُون في أبوابه حسب ما يلائم المستجدات الراهنة، والحداثة المستجلبة.

ان مثل هذه التصرفات التي تخفي انفصَاما مُجتمعِيا خطيرا، تدُل على أن الحقل الديني يحتاج الى اعادة القراءة وتكييف بعض أموره التفصيلية مع نوازل العصر وما استجد في هذا الزمن الراهن، حتى لا تبقى الممارسة التعبُّدية تحديدا طقسا غريبا لا ينسجم مع ما يعيشه الانسان في واقعه، وحتى لا يحس هذا الأخير بأن الدين عباءة تلبَسُ في أوقات معلومة لمصالح مرسومة سَلفا، تخدم طوائف مختلفة وتدفعهم نحو الانزياح عما توارثه الناس طيلة أربعة عشر قرنا، إننا – فعلا – بحاجة الى عُلماء يجتهدون في أمور مخصُوصةٍ كهذه، و يقطعون الطريق أمام دعاة الافطار في رمضان والحرية الجنسية والمساواة في الارث وغيرها من الدعوات التي تحتاج الى ردعها من جهة، أو الاقرار بصدقها في ظل تطور المجتمع وتغير بنياته الفكرية و السياقية من جهة ثانية.

ان عباءة الدين مُستباحة يطأها الجميع  تقريبا بلا استحياء، وأخشى من نتائج كل هذه الممارسات المشبُوهة أن نلتقي في الجنة أو النار جميعنا، وقد تساوى الناسك المتعبد بالزنديق الفاسد، وثمة يكون لهذا الانفصام الذي نراه الان في مجتمع الحياة الدنيا معنى وصِدقا.

………………………………..

المصدرمحمد بوطاهر – تنغير في 21 يونيو 2016

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.