خلافة العدل و الإحسان بين منطق التاريخ و منطق الجغرافيا

admin
2016-04-10T23:45:51+01:00
اقلام حرة
admin10 أبريل 2016
خلافة العدل و الإحسان بين منطق التاريخ و منطق الجغرافيا
مـحـمـد أقـديـــم

يمكن أن تكون دعوة جماعة معينة أو حزب ما إلى الخلافة الاسلامية منطقية و عملية و يمكن أن يكون مشروعها السياسي هذا  قابلا للانجاز على المدى البعيد(قرون)، إذا كانت  هذه الدعوة و المشروع  منطلقين من بلد أو دولة محورية، من حيث موقعها الجيوسياسي داخل الأمة الاسلامية، أي أن تنطلق هذه الدعوة من دولة أو بلد يقع في مركز الأمة الإسلامية، و كذلك  إذا كانت هذه الجماعة الحاملة لدعوة أو مشروع  الخلافة  تنظيما عالميا، له فروع تنظيمية في كافة الدول و البلاد الإسلامية،  مما يسمح لها بالإشعاع الفكري و بالتفرع التنظيمي و بالوجود الدّعوي،  و ممّا يمكّنه من  تربية و إعداد  شعوب الأمة في مختلف الأقطار و الدول و الأوطان  للانخراط و المشاركة في بناء دولة “الخلافة العظمى”.

        و لانّ الجغرافيا هي التي تصنع التّاريخ ، فكل دوّل الخلافة التّاريخية التي عرفتها الأمة الاسلامية انطلقت من مركز الأمة الاسلامية الجغرافي و ليس من محيطها و هامشها ، فالخلافة الراشدة  بدأت من مكة و المدينة و هما مركزها ، و الخلافة الأموية كانت دمشق منطلقها و عاصمتها، و الخلافة العباسية تأسست و توسّعت من بغداد، و الخلافة الشيعية الفاطمية التي انطلقت من المغرب الأوسط، لو لم ترحل إلى المشرق، و تغادر المغرب نهائيا، و تستقر بالقاهرة ما استطاعت أن تتمدّد و تتوسع و تحمل اسم خلافة، و الخلافة العثمانية ،و إن كان مركزها بإسطومبول فإنها في الحقيقة امتداد لدولة السلاجقة الأتراك في بغداد، في النصف الثاني من القرن5هـ /10م. مع الأخذ بعين الاعتبار أن دوّل  هذه الخلافة التاريخية ، تأسست و امتدت و توسعت في مرحلة تاريخية  يقوم فيها بناء الدّول على العصبية و الحرب و الزحف  و الغزو، و هذا ما يستحيل حاليا.

     تاريخ المغرب يُتبثُ أن جميع الدعوات الدينية الإصلاحية التي انطلقت منه لم تستطع تأسيس نظام خلافة إسلامية مركزه المغرب، و شامل لكل أقطار الأمة، أو على الأقل الجزء الأكبر منها، فدولة الأدارسة عاصت الخلافة العبّاسية في أوج قوتها، و الخلافة الفاطمية الشيعية، التي تأسست نواتها بالمغرب الأوسط ، لم تعلن نفسها خلافة إلا بعد انتقالها إلى المشرق و اتخاذها القاهرة عاصمة لها، و كان ذلك في الوقت الذي خرجت فيه منطقة المغرب الكبير من سيطرة الفاطميين نهائيا، و كانت خلال تواجدها بالمغرب دعوة سرية باطنية. ثم بعد ذلك جاءت الدعوة الموحدية التي أعلن خلفاءها أنفسهم أمراء للمؤمنين، و رغم ذلك لم تستطيع دولة “خلافتهم” تجاوز حدود إقليم برقة بليبيا، و بعدهم أعلن السلاطين السعديين و العلويين أنفسهم خلفاء و أمراء للمؤمنين، و حدود دولتهم لم تتجاوز مدينتي  تلمسان  و وهران، و منذ البداية  لم يكن سعيهم  إلى إقامة “خلافة إسلامية” شاملة على الأمة برمتها ، بقدرما كان إعلانهم  “إمارة المؤمنين”  تأكيدا لنسبهم الشريف، وإعلانا عن امتلاكهم  شرط القُريْشية في استحقاق الحكم أمام التوسع الجغرافي الكبير للعثمانيين الأتراك المهددين للاستقلال السياسي للدولة المغربية، و هم الذين يفتقدون لشرط النسب القريشي ” الأساسي” في تولي الحكم، كما كان ذلك إعلانا للحياد اتجاه مختلف العصبيات القبلية و الفرق التيارات الدينية المكونة و المؤطرة  للنسيج الاجتماعي المغربي.

     أمّا المرابطون و المرينيون فلم يعلنوا  نهائيا أنفسهم أمراء للمؤمنين أو خلفاء ، و إنما سموا أنفسهم أمراء المسلمين ، فهم يدركون أن إمارة المؤمنين تقتضي الشرط القريشي أو النسب الشريف، وهذا ما لا يتوفر بالنسبة لهم، و حتى إذا توفّرت لهم  القريشية و “الشرف”، فلن يفيدهم في شيء أمام قوانين  المجتمع والجغرافيا و التاريخ، و هذا ما أشار إليه  ابن خلدون في تحليله للشرط القريشي  في تولّي الخلافة، حيث  فسّره سوسيولوجيا و أعطاه مضمونا اجتماعيا، و لم يفسره بيولوجيا و لم يعطيه مضمونا جينيالوجيا(سلاليا)، إذ نظر إلى   أن حصر الرسول صلى الله عليه و سلم للخلافة في قريش بأنّه  ليس لسمو “الدّم القريشي” و تفوقه العرقي و لنبل أصله، و ليس الهدف من ربطه الخلافة بقريش هو جعلها مقتصرة  و محصورة على آل قريش وحدهم ، و إنما لأن قبيلة قريش في تلك المرحلة هي العصبية الوحيدة التي تتوفر على الموارد البشرية و المؤهلات السياسية و المكانة الاجتماعية و الموقع الجغرافي و القدرات التدبيرية للنجاح في تدبير الشؤون السياسية  الخلافة، بالمقارنة مع بقية القبائل و العصبيات في جزيرة العرب.

    و أما أن  تحمل جماعة إسلامية قُطْرية لا امتداد تنظيمي و لا إشعاع فكري لها في باقي دول العالم الاسلامي، مشروعا للخلافة على الأمة الاسلامية بأسرها، و في القرن الواحد و العشرين،  نعم  جماعة قُطْرية    في بلد و قطر يقع في الهامش الجغرافي للأمة الاسلامية، كالمغرب، و مشروع فكري و سياسي يصطدم و يتناقض مع المشاريع الفكرية لأكبر التّيارات الفكرية و التنظيمات الاسلامية ذات الامتداد الدولي ( الإخوان المسلمون – التيار السلفي – الدعوة و التبليغ فذلك  يعني أن واضع هذا المشروع السياسي لا يفقه شيئا لا في لا في  التاريخ و لا الجغرافيا، و أن هذا المشروع يحمل بذور فشله في عنوانه.

المصدرمـحـمـد أقـديـــم

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.