حُكومَةٌ ترْفُضُ العَقل والجَمَال

admin
اقلام حرة
admin2 أبريل 2016
حُكومَةٌ ترْفُضُ العَقل والجَمَال
محمد بوطاهر

ما صرح به السيد رئيسُ الحكومة المغربية مؤخرا، خلال توقيع على عقد برنامج شامل وإتفاقيات أجرأة الإستراتيجية الوطنية للتكوين المهني في أفق 2021، والذي قال فيه ان المغرب ليس في حاجة للأدباء والشعراء لإنتاج القصائد أو بحاجة لفلاسفة، فهؤلاء لا يقدمون للوطن أي قيمة إنتاجية مفيدة. لا يكادُ يخلو من عجرفة معرفية لديه والرجوع بالفكر الانساني القهقرى إلى قرون عديدة خلت، حيث كان الصّراع وطيسا بين أهل العقل والحكمة من جهة وأهل الدين والتطرف من جهة أخرى. وهو كلامٌ، في الحقيقة، ينِم عن جهل كبير بأهمية المعارف والعلوم الحقة التي بنت الحضارات الانسانية وصنعت المجد الذي يتربع عليه البعض الآن مُختالا فخورا.

 ان عبارة السيد رئيس الحكومة تحمِلُ بُعدا عُدوانيا نحو كل فكر حُر وابداع راق، فهي رسالة مُبطنة الى أن السياق الراهن لا يحتاج إلى صناعة الفكر والانسان الواعي القادر على  فعل التغير وتحرير الانسانية من قيود ما ترزح فيه من جهل وفساد قيميّ قـاتل، بل هي في أمسّ الحَاجة إلى من ينتج انتاجا ماديا عضليا يُلمس مُباشرة ويشرع في استهلاكه دون تفكير.

فحُجة عدم انتاجية هذه المعارف والعلوم واهية كاذبة، وذلك لتناقضها مع أصول المعرفة العقلية الفطرية، فالله تعالى خلق الانسان وكرّمُه بالعقل (المفكرون) وحثهُ على التدبُر( الفلاسفة) والتمتع بزينة الحياة الدنيا (الشعراء)، فنكران الفلسفة والشعر والآداب هو نكران لهذه النِعم الجِبلّية التي وهبَها الله ُ تعالى لعباده وأوجب عليهم إعْمَال النظر فيها. فرئيس الحكومة قياسًا وهو يرفضُ هذه العلوم والمجالات الفكرية غير الإنتاجية، يستلزم منه جدلا أن يرفض حتى الفقهاء ويخرجهم من مدينته “التكوينية المهنية” الفاضلة، ويغلق المَساجد ويستبدلها فضاءات للتكوين المهني والعمل الانتاجي العضلي، حيث تدر هذه الأخيرة الملايير مدرارا ويعُم الانتاج ويتقدم البلد. فالخطيب والواعظ والمرشد لا يأتي بقيمة إضافية للمجتمع غير دغدغة مشاعر الناس، تماما كما يفعل الشاعر بقصائده والفيلسوف بحِكمه السُفسطائية. فلِم لمْ يخرجُهم الرئيس المُحترم من مدينته الفاضلة كما أخرج المفكرين والفلاسفة والشعراء؟

إن تصريح السيد رئيس الحكومة قاصرٌ عن إدراك الفهم الصّحيح، وتحاملٌ على دور العقل والشعر والفن الابداعي بشكل عام في خدمة السّمُو الانساني. فالمُجتمع كيان مشترك تتضافر في بنائه جوانب مختلفة وليس التكوين المهني وحده. فهو يعلم جيدا أن الرأسمال الإنتاجي  ليس فقط ما تخرجُه المصَانع وفضاءات هذا التكوين، وإنما حتى القصائد الجميلة والحِكم الرصينة والنقد العقلاني البناء جزء لا يتجزأ من إنتاج الأمم ومعْيار تقدّمها وسعادتها وتحرُرها كذلك.

 يجب أن ندرك جميعا أن قبول تغييب هذه المجالات الفلسفية والشعرية والفنية في المجتمع وحياة الناس، لهو خطوة  سريعة نحو إقبار عربة التقدم  وتعطيل مكابح التفكير السليم، وهي عودة بالمجتمع المغربي تحديدا إلى زمن اضطهاد المفكرين والفلاسفة. وما إحراق كتب ابن رشد التنويرية من طرف غوايات الفقهاء عنا ببعيد.

………….

المصدرمحمد بوطاهر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.