تهميش الجنوب الشرقي-سياسة أم واقع حال؟

admin
اقلام حرة
admin21 مارس 2016آخر تحديث : الإثنين 21 مارس 2016 - 4:56 مساءً
تهميش الجنوب الشرقي-سياسة أم واقع حال؟
تسليت أونزار

ليست كذبة أبدا تلك المعلومة التي تقول بتوفر خارطة المغرب على مناطق ما يعرف بِ “المغرب المنسي”، مناطق أدت غاليا فاتورة تَموقعها الجغرافي، و ما تزال. مناطق لا تدري إن كانت ضمن محور المغضوب عليهم، أم أن كانت مقصية بسبب تهميش ممنهج، وحدها الحكومات المتعاقبة على نظامنا تدرك سره.

البنيات التحتية المنعدمة و المؤسسات الخدماتية و الصحية، هي عنوان على المعاناة المستدامة للساكنة، على أمل أن يشملها مخطط تنموي ما، يُسهل عليها بعضا من قساوة الطبيعة و البشر.

فاجعة منطقة “أمسيصي” (قرب تنغير)، لربما تكون من أخطر حوادث السير التي عرفها بلدنا مؤخرا، حيث كل ضحاياها من الأطفال التلاميذ : خمسون (50) جريحا منها 48 إصابة خطيرة و حالة وفاة واحدة. و كالعادة، لم تنل هذه الفاجعة حقها من الإعلام و الاهتمام الوطنيين، و لم تستحوذ أرواح الأطفال الأبرياء على تعاطف المقاولات الإعلامية المرئية، المكتوبة أو الإلكترونية، ففعلا هم من المغرب المنسي، و في مكان بعيد عن دائرة الإعلام و أيضا بعيد عن مراكز اهتمام الحكومة، فذاك الجنوب الشرقي وهذا مسلسل معاناته لا يزال مستمرا تحت ظل كل الحكومات المتعاقبة على السلطة.

تبدأ القصة حين رغبة تلاميذ الثانوية الإعدادية “ابن خلدون”، في العودة إلى منازلهم بدواوير “تزولايت، “بوديب” و “فزو”، كان ذلك يوم الجمعة 11 مارس 2016، و الذين كانوا على متن شاحنة نقل معادن، نعم شاحنة، حيث اصطدمت بسيارة ذات دفع رباعي، و صراحة ليس المهم هنا من السبب في الحادث، بقدر ما هو مهم؛ كيف يعقل ل 53 تلميذا أن تكون وسيلة نقلهم للدراسة هي شاحنة، في غياب نقل مدرسي كما ينبغي أن يكون، يحفظ لهم سلامتهم و كرامتهم!.

صاحب هذه الشاحنة هو متطوع ألِفته ساكنة الدواوير، له حس إنساني، يتكفل بنقل التلاميذ و تجنيبهم قطع الكيلومترات على الأقدام، أو تجنيبهم خيار انقطاعهم عن الدراسة.

في هذا اليوم الذي لن أصفه بالمشؤوم، لأن لا أفعال بعض المسؤولين هي المشؤومة ،.. في هذا اليوم يتدخل القدر فتقع هذه الحادثة الخطيرة، حيث أسلمت فيها الروح التلميذة “كريمة عدو”، و حيث بُترت يد التلميذ “مصطفى يجو” ذو 15 سنة و هو في الثالثة إعدادي، مع إصابات بين بقية التلاميذ المتراوحة أعمارهم بين 12 و 18 سنة، إصابات أغلبها كسور في الأعضاء السفلية و العلوية و على مستوى الرأس، الكثير منها استدعى عمليات مستعجلة، منها ما أجري و منها مازال في حالة انتظار بسبب قلة الإمكانيات أو بسبب إهمال الجهات المعنية و عدم إشرافها و متابعتها للحالات، علما أن الوضعية المادية لعائلات المصابين لا تخول لهم توفير المصاريف اللازمة.

و كالعادة، لا يمكننا إلا نتقدم بكل الشكر و التشجيع للجنة الدعم التي تشكلت فور الوقوف  على حجم هذه الفاجعة، شباب من المنطقة تطوع للسهر على تقديم المساعدات المعنوية، النفسية و المادية للمصابين، شباب بادر للتخفيف و لو جزئيا من مُصاب الضحايا و عائلاتهم، محاولين ملأ الفراغ الذي تركته الجهات المعنية.

48 إصابة جلها خطيرة مع حالة وفاة، هي نتاج لسياسة التهميش التي تنهجها الحكومة في كل المناطق البعيدة عن أعين المركز، حيث لا وجود لشبكة طرقية و حيث التلاميذ لا يتوفرون على مؤسسة تعليمية في محيط دواويرهم، و لا نقل مدرسي يَقيهم خطورة ركوب الشاحنات. تمتِ العديد من المراسلات في هذا الصدد لرفع العزلة عن المنطقة، لكن لا حياة لأي مسؤول يُنادى عليه.

المضحك المبكي في القصة، أن السلطات تنوي متابعة سائق الشاحنة، إلا أن الأهالي تضامنوا معه بكل وعي عن عدم مسؤوليته المباشرة في هذا الحادث، مطالبين بعدم تحميله المسؤولية، فكل ذنبه أنه قام مقام السلطات، و وفر لأبنائهم وسيلة نقل مجانية ساعدتهم على استكمال دراستهم لسنوات، و هذا فضل يحسب له لا عليه.

حتى متى يستمر تهميش الدولة للمناطق النائية؟ و كم يَلزمنا من حادثة من هذا الحجم حتى تستفيق بعض الضمائر و تقوم بواجبها نحو المواطنين؟ كيف نَعيب على بعض الشعب غياب حس الوطنية عنده و هو لا يعامل كمواطن في بلده و فوق أرضه؟ هل نحن ملزمون باستعارة مقولة الرئيس الأمريكي الراحل ج. ف. كينيدي : “لا تسألوا بلدا عن ما قدم لكم، بل اسألوا أنفسكم ماذا قدمتم لهذا البلد”. هل بلدنا قدم لنا كفاية ما يجعلنا نسقط سؤاله و بالمقابل، نسائل أنفسنا عن ما قدمنا نحن له؟! المواطنون المهمشون الذين لا يستفيدون من من عائدات هذه الأرض و لا من أدنى حقوقهم كبشر للعيش بكرامة، ألا يحق لهم سؤال هذا البلد أين هي ثرواته و خيراته و أين هي حقوقهم في العيش كمواطنين؟؟ أم ربما البطاقة الوطنية وحدها كفيلة بمنحهم هذه الصفة؟! صراحة، مقولة “كينيدي” تنطبق على الدول المتقدمة و العظمى، لا على البلدان المتخلفة التي تستحوذ عليها لوبيات اقتصادية و سياسية أخر قضياها الشعب و كرامته.  

مسلسل واقعي اسمه التهميش تعيشه الساكنة بمجرد بُعدها عن محور السلطة المركزية، ساكنة أُهدرت كرامتها و قد لا تحسب على المواطنين إلا في الانتخابات للاستفادة بكل وقاحة من أصواتها.

فليَحي الشعب رغم كل الإكراهات و تحية له على كل الصمود و كل التضامن مع التلاميذ الضحايا.

المصدرتسليت أونزار

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.