رسائل إلى صاحبي: الوعي يسبق التغيير

admin
اقلام حرة
admin25 أكتوبر 2015
رسائل إلى صاحبي: الوعي يسبق التغيير
بدرالدين أيت بباعزيز
سلام على قلبك الكبير و روحك الطيبة، هكذا كان جبران خليل جبران يبدأ رسائله إلى أصدقائه …..
لقد أخبرتك ذات مرة أن تقرأ، لأن القراءة لم تعد هواية، لم تعد شيئا نقوم به لقتل الوقت. إن القراءة يا صاحبي فرض من فروض هذا الوجود، إنها مفتاح من مفاتيح السعادة والنجاح، اقرأ من أول السطر إلى نهاية الفيلم، اقرأ لتنمو أحلامك، لا تكن أبله فتهتم كعادة الكثيرين من الناس يهتمون  بطونهم غير مكترثين بما يضعونه في عقولهم، اقرأ ليصبح لكلامك معنى، اقرأ لتجد مكانا يليق بك، يليق بإنسانيتك.
القراءة وحدها يمكنها أن تطيل عمرك الصغير، وحدها يمكنها أن تعلي شأنك بين العالمين، كم عظيم عرفته يا صاحبي لم تتجاوز أيام عمره الثلاثين، لكن بالقراءة وعادات إيجابية أخرى، خلدوا أسمائهم في قواميس الوجود. كم تكون حسرتي عميقة عندما أقرأ عن هؤلاء الذين بلغوا ذروتهم ومجدهم قبل أن يدخلوا أبواب الثلاثين، إن تأخروا بلغوها قبل الأربعين.كم تكون حسرتي عميقة وأنا أتساءل ماذا فعلت بالسنين التي مضت من حياتي، ولم أصنف بعد في قواميس الوجود كالخالدين.
إن القراءة عن النجاح والناجحين، أصبحت تؤلمني وتبعثر كياني يا صاحبي، تؤلمني لأنها تحررني من براثن الموت والفشل… وما أصعب أن تتحرر حين ينقض عليك الفشل، إنها تجعلني أسائل نفسي، أسائل عمري، أسائل ماضي وحاضري ومستقبلي، أتساءل ماذا فعلت وماذا أنجزت وماذا سأفعل فيما سيأتي. مهما كان حالك و وضعك يا صديقي، فلم يتبق في عمرك الكثير، مثلي تماما، لكن ليس هذا هو السؤال، السؤال يا صاحبي ماذا ستفعل بما تبقى منك، ماذا ستفعل اليوم والآن لتضع رجلك الأولى بل حلمك الأول على طريق الخلود.
هل تساءلت يوما ياصاحبي: من سيبكي حين تموت؟ لا تتعجب من السؤال ولا تستهن به …دعني أجيبك..عندما مات رسول الله محمد (ص) بكت أمة بكاملها، بكى العالم، ليس لفراق أعظم العظماء لكن لأنهم كلما تذكروه تذكروا ماضيهم تذكروا كيف كانوا وكيف أصبحوا تذكروا صنيعه فيهم. قد تقول في أعماقك، محمد ..ولكنه نبي، أليس هو الرسول المؤيد من عند الله؟ أعلم يا صاحبي أن محمدا شق طريقه نحو العظمة قبل رسالة السماء، إنه بدا عظيما مخلصا أمينا…
دعنا من حديث الأنبياء والمرسلين، واقرأ أقاصيص الناجحين من الشرق والغرب، ستجد أن أغلبهم بلغ ذروته بين الثلاثين والأربعين، وماتوا بعد أن صنعوا الفوارق في حياة أممهم. وأنا أكتب إليك تذكرت طفولتي، تذكرت أول مرة أشاهد فيها فيلما سينمائيا، لا تسئ فهمي يا صاحبي، فأنا لم أرى شاشة السينما ألا عندما تجاوزت العشرين من عمري، أتحدث عن آلة الفيديو التي استقدمها والدي من بلاد الروم أقصد فرنسا، واستقدم معها  فلمين سينمائين، أحدهما عن الرسالة والذي يحكي قصة الإسلام بطريقة عبقرية عبر عنها المخرج الكبير العقاد، والثاني عن فتى صيني يدعى بروسلي انبهرنا بحركاته وركلاته وبسرعته ….فقلدناه على قدر ما نستطيع وحلمنا أن نكون ذاك الفتى يوما ما…لكن لم نتقن في تقليده سوى أصواته التي كان يصدرها وهو يصارع خصومه.
مضت السنين، كبرنا وتعلمنا، وأدركنا أن بروسلي مات شابا يافعا في عمر الثلاثين، لكنه مات عظيما بطلا صينيا قوميا وقدوة عالمية، مات وقد بلغ تقريبا حد الكمال في فنون الحرب والسينما، مات وبكت أمة فقدت أيقونتها ورمزها وبكى معها الكثير من عشاق فنون الحرب وأفلام الكونغ فو  عبر العالم.
لا أريد هنا أن أطيل عليك يا صاحبي، لكني أرغب أن تتأمل هذا السؤال وتبحث له عن جواب: من سيبكي حين تموت ؟ وبدوري أطرح علي السؤال: من سيبكي حين أموت؟ عدا بعض أفراد عائلتي. إن مثل هذه الأسئلة يا صاحبي تجعلني أحتقر إنجازاتي، تجعلني أحس بالخجل عن عمر ضاع مني دون أن أبدع ما يخلذني في دفاتر الوجود التي لا تمحى، وفي نفس الوقت إن هذا السؤال يجعلني أستيقظ من سباتي،  من فشلي وموتي لأحلم من جديد لأنجز من جديد بعزيمة من حديد، لأنمي ذاتي وأغير أحوالي، إن هذا السؤال يجعلني أعي أن الوقت قد حان لأضع بصمتي، لأن الوعي ياصاحبي يسبق التغيير.
دعني أختم خطابي هذا معك بالمثل الفرسي الذي نردده دائما : il est Jamis Trop Tard Pour Bien Faire.   لكن دعنا نبدأ الآن.
المصدربدرالدين أيت بباعزيز

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.