قضايا عالقة في تاريخ الواحات بالجنوب المغربي

admin
اقلام حرة
admin12 سبتمبر 2015
قضايا عالقة في تاريخ الواحات بالجنوب المغربي
علاحمو مصطفى
 شكل مجال الواحات مند القٍدم محطة للاستقرار البشري نظرا لما يتوفر عليه من ظروف ملائمة ومشجعة على البقاء؛ فهو يحتوي على كل ما يحتاجه الإنسان من ماء وكلأ المواشي، هي عوامل قد تغري من سئم من قحولة الصحراء وعبء الجبال للتخلي عن مزاولة الترحال رغم وجود العديد من المعيقات الأخرى التي قد تكون سببا للرحيل أو العكس، وعلى رأسها الأوضاع الأمنية المضطربة الناتجة عن الطبيعة العدوانية الحيوانية التي يتوارثها الإنسان من جيل لجيل والمختزلة أساسا في الرغبة في امتلاك القوة ثم السلطة؛ ومن تم السيطرة على الإنسان والمجال. دون أن نهمل الجانب الطبيعي الذي قد تفوق ايجابيته سلبياته، فرغم أن بعض تلك الأشرطة الخضراء تجاور السلاسل الجبلية التي تعد مصدرا من مصادر المياه الرئيسية؛  و سهول تتميز بتربتها الصالحة للزراعة أحيانا، إلا أن المناخ الشبه الصحراوي السائد تبقى انعكاساته سلبية على الإنسان والنبات أحيانا أخرى. ان المتتبع للشأن التاريخي المرتبط بمسألة الواحات بالبلاد المغربية سيلاحظ أن هناك غموض واضح في هذا الجانب بسبب غياب دراسات وأبحاث أكاديمية شاملة؛ تنظر الى هاته المجالات الغنية بخيراتها من كلتا الجوانب سواء حضارية كانت أو ثقافية أو اقتصادية؛ فكما هو معلوم في المصادر التاريخية سواء المحلية منها أو الأجنبية – رغم أن الأولى سيطر عليها التقصير فيما يتعلق بهذا الأمر والثانية استحوذت عليها التبعية الإيديولودجية- ظلت هذه الواحات مسرحا لأحداث عديدة في فترات تاريخية مختلفة اختلاف أساليب حكم الدول المتداولة على السلطة بالمغرب، خاصة التي انطلقت من الجنوب، فمنها من جعلهما مواقع تجارية إستراتيجية نظرا لانفتاحهما على بلدان افريقيا جنوب الصحراء؛ ومنهم من اعتبرهما مناطق توتر و فوضة وجب التعامل معهما بحذر، هذا كله يبرز قيمة الواحات الجنوبية وتأثيرهما المباشر على علاقة المغرب بمحيطه الإفريقي الشاسع. بحيث كانت حلقة وصل بين الغرب الإسلامي وبلاد السودان في الفترة الوسيطية؛ الشيء الذي أكسبهما قيمة اقتصادية وثقافية هامة، زيادة على ذلك أنهما ظلت مواطنة ملائمة للعديد من الكيانات القبلية التي كانت في فترات تاريخية ليست بالقصيرة عدوا لذودا للجهاز المخزني، إذ أن ‘الحرْكات’ التي قام بها السلاطين المغاربة إلى هذه المناطق خير دليل على تلك الرغبة الطامحة في كبح تحركات تلك التنظيمات القبلية في بلاد السيبة؛ وبالتالي فرض السيطرة على ثنائية الإنسان  والمجال، فقد عاشت هذه الواحات في دوامة من الصراعات المتتالية سواء مع المخزن أو المستعمر وحتى بين القبائل نفسها؛ مستقرة كانت أم رحل انعكست بشكل كبير عن الطبيعة وأساليب التفكير لدي الإنسان في قرون قد خلت.
      ان أقلام الطلبة والأساتذة الباحثين في جنوب شرق بلادنا كلهم متفقين على أن القيام بدراسات عميقة عمق تاريخ هاته التخوم أضحت ضرورية في هذه الفترة بالذات؛ نظرا لما لها من مساهمة فعالة (التخوم) في تغيير مجرى الأحداث في الجنوب المغربي عامة، فمن خلال الغطس في خصوصياتها يمكن كذلك إزالة اللبس عن فهم قضايا بقيت كعناوين طال جهل مضامينها المكتوبة بخطوط مضغوطة؛ في الوقت الذي يستمر فيه البعض في البحث عن مواضيع كثير من تحدث لسانه باسمها في مناسبات كثر عددها وتعدادها، فالجوانب المرتبطة ب”المقاومة المسلحة” و”العمران(القصور)”، و” الاستعمار” كأمثلة واضحة نالت اهتماما مبالغا فيه بشكل كبير؛ هذا لا يعني أن الأمر هنا قد انتهى بل يلزم الإيتاء بالجديد وعدم الإبحار في المستهلك (بفتح اللام) ؛ من أجل تجنب إقحام الذاتية أكثر من التركيز عن الموضوعية، مثلما يقوم به عدد من الباحثين بخصوص كلمتي “(مقاوم- مقاومة)” اللتان أطلقتا حتى على من قصرت يده في مد  يد العون لبني جلدته في فترات الرصاص؛ مما افقدهما تلك القيمة الرمزية التي نالتا ابان الفترة الاستعمارية. وكل ما قيل في هذا الصدد راجع الى ‘التقوقع الموضعاتي’ وعدم الانفتاح على إشكاليات جديدة لازالت في محل الإشارات وأسئلة لخواتم البحوث والدراسات. لهذا فالمجال سيبقى مفتوحا أمام هاته الأخيرة من أجل تفسير الديناميكية الثقافية والسياسية والاجتماعية في تاريخ الواحات. فمن القضايا التي لم تنظر إليها أعين الباحثين بعد والتي ستبقى مرتبطة دائما بالخصوصيات التاريخية للواحات الجنوبية للمغرب نجد ما يتعلق ب النظم الجبائية المخزنية في واحات الجنوب المغربي خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين”، فهذه الفترة  المذكورة عرفت تذبذبا في علاقة هذا  المجال بالسلطة المركزية وهذا ما يزكيه قيام بعض السلاطين المغاربة بحملات عسكرية هدفها إخضاع الكيانات القبلية التي  توسعت في بعض هاته الربوع،  والتي تقوت بسبب سنها لأعراف “إزرفان” تشمل كل جوانب الحياة، مما أعطاها القدرة التنظيمية للصمود ولو لمدة ليست بالطويلة أمام النفوذ المخزني بقيادة العديد من الشخصيات؛ على رأسهم التهامي الكلاوي وأبا علي و بلقاسم النكادي وآخرون.
        والى جانب ذلك تبقى مسألة “السياسات الدفاعية للقبائل الواحية “موضوعا مهملا ولو بوجود بقايا أثرية قد تساعد على استيعاب كل المعطيات المرتبطة به بغض النظر عن غياب عمليات السبر الأثري و الدراسات الأركيولوجية الذي يعود بالأساس لمستوى البحث العلمي في المغرب، فمن خلال زيارتنا الميدانية للعديد من المناطق اتضح لنا بالملموس وجود كم هائل من الأشكال التي تندرج ضمن البنيان الدفاعي؛ كأبراج المراقبة – التي اتسعت رقعة انتشارها؛ بحيث يتواجد عدد منها في تودغة ودادس؛ ورزازات؛ درعة وكذلك تافيلالت التي تحتفظ بإرث عمراني مهم- إضافة للقصبات التي بدورها كانت من الركائز الأساسية للإنسان الواحي  في تحقيق الاستقرار حتى وان كان بعضها تابعا للقياد المخزنين كما هو الحال في تودغة وإقليم طاطا، لكن للأسف الشديد فالسكان المحليين والجهات المعنية على رأسها وزارة الثقافة وكذا الجمعيات المحلية لم يقوما بواجبهم المتمثل في حفظ وصيانة المواقع الأثرية والتراث المادي بشكل عام، ليبقى هذا الأخير مهددا بالاندثار لعوامل نعلمها وأخرى نجهلها؛ ولو ان هنالك من يرى أن التأريخ لواحات الجنوب المغربي لن يتم بدون الاعتماد على المخلفات العمرانية لما لها من دور أركيولوجي قد يعتمد عليه في الانتقال من التاريخ الشفوي الى المكتوب.
     بالاضافة لهاتين القضيتين المذكورتين نجد كذلك ما يتعلق “بالأعراف أو إزرفان “في القاموس الأمازيغي؛ التي اعتمد عليها الإنسان الواحي بشكل كبير في الحقبة الاستعمارية، إذ شملت كل الجوانب التي يراها أنها أكثر حساسية في حياته اليومية، فبها كانت تنظم أماكن الرعي نظرا لتردي الظروف الإيكولوجية في بعض الفترات وبها كذلك تنظم الجبايات، إضافة لما يخص الجانب البيئي اذ أن هناك وثائق وأعراف تنص على عدم تلويث الأماكن العمومية وعدم استغلالها لأغراض شخصية أو رمي الأزبال إليها (انظر الصفحة 115؛ دراسات في تاريخ المغرب العميق ل امحمد احدى).
      ولأن للمياه قيمة مهمة وباعتبارها من العوامل الأساسية الممهدة للاستقرار واستكمال دورة الحياة، ان لم نقول المعيار الأول والأخير لذلك؛ فلم يتسم تدبيرها بالعبثية أو الضياع بل سنت لها أعراف خاصة ووضعت لها كذلك أساليب متنوعة تضمن تحسين استغلالها سواء فيما هو مرتبط بما هو فلاحي أو الجانب الذي يدخل في الحياة الخاصة للإنسان. لذا فكل ما يمكن قوله في هذا الباب أن الأعراف تشكل منظومة خاصة لها تأثير واضح على حياة العنصر البشري في مثل هاته البقاع التي تتطلب منه بدل مجهودات مضاعفة لخلق التوازن المطلوب بينه وبين المجال . علاوة على ذلك يبقى البحث في مسألة “التنظيم المائي  في واحات الجنوب المغربي “من المواضيع المغمورة في العصر الحالي ان صح القول؛ لأنه  موضوع لن يكون بالمستطاع معالجته من جانب واحد؛ ليس نقدا لبعض الدراسات المنجزة  وإنما الأمر يحتاج الى عمل مشترك بين كل من المؤرخ والسوسيولوجي والأنثربولوجي، فمثلا  إذا أردنا دراسة أساليب جلب المياه  التي تشكل الخطارات أبرزها، فلابد من استحضار الجانب الإجتماعي الذي تجسده المصلحة العامة لأبناء القبيلة من خلال العمل الجماعي المتمثل في “حد الصايم” الذي بدوره تحكمه قواعده الخاصة، ففي تودغة من تخلف عن المشاركة ‘يكرم’ أعضاء القبيلة أو يؤدي مقدارا ماديا، وفي المقابل هناك تعامل خاص مع الفئات الضعيفة اجتماعيا مثل الأرامل والعجزة الذين غالبا ما يكونوا معفيين من ذلك؛  نظرا لحالتهم الصحية او الاجتماعية، لكن على العموم فهذا المشروع الجماعي تبقى من أهم سماته العدالة الاجتماعية والمساواة، فحينما يعلن شيخ القبيلة (أمغار ن تقبيلت) على وجود سقاية أو بئر مسجد منهار فلا فرق بين الغني والفقير؛ بالأحرى فالأول يبقى دوما مطالب بالتضحية ماديا وعضليا. كما أن الجانب الانثربولوجي يحضر كذلك من خلال الطقوس والعادات التي تصاحب كل مجهود جماعي مشترك؛ ففي تافيلالت على سبيل الذكر كانت النساء يحتفلن كلما  شهدوا الماء في بئر حديث النشأة؛ بل عادة ما يذبح ديك أو خروف كما تقام في بعض الحالات ولائم على شرف أبناء الدوار والقبيلة وهذا نابغ من الخصوصيات الثقافية للسكان المحليين. لهذا ستبقى هذه الأمصار ملتقى حضاري يجمع بين ما هو تاريخي واجتماعي واقتصادي وروحي.
     تظل “الخريطة الدينية لواحات الجنوب المغربي”  تيمة تحتاج الى دراسات معمقة نظرا لقيمتها التاريخية التي تتمثل بالأساس في كون هاته المجالات منطلق الدولة المرابطية  خلال العصور الوسطى لنشر الديانة الإسلامية في افريقيا، مما مكنها في أخر المطاف حسب المؤرخين أن تكون أكبر إمبراطورية شهدها الغرب الإسلامي؛ هي مناطق تأثير وتأثر بين المغرب وإفريقيا، لذا فالدور الثقافي الذي لعبته كانت له نتائج ملموسة على المستوى الديني، وهذا ما يستخلص من خلال الانتشار الكبير للزوايا والأضرحة فيها؛ مما يعني أنه من الضروري أن يكون هناك تفسير واضح لهذه الظاهرة. المعلوم هو أن تلك المؤسسات لازالت تقوم بوظائفها حتى في عصرنا الحالي رغم معانات بعضها من قهر الزمان، ففي سجلماسة أو تافيلالت حاليا و كذلك منطقة درعة نجد العديد منهما مرمما من طرف السكان هذا يبين ان هناك اهتمام مستمر بهما؛ لنتساءل ماهو الدور الذي لعبته الزوايا في حياة الانسان الواحي بغض النظر عن الجانب الروحي؟
زيادة لذلك فالأضرحة في بلاد الواحات على ما يبدو فقدت تلك القيمة الرمزية وهذا لم يخرج ربما عن الرقي الفكري الذي وصل اليه الانسان، اذ لم تعد تسمح له مؤهلاته العقلية بالإيمان بتلك القدرات الخارقة والمعجزات التي نسبت للأولياء في زمن قد خال؛ وهذا ما استسقيناه من خلال زيارتنا المتكررة لضريح المولى الحج عمرو بتودغة السفلى دوار حارة المرابطين، إذ أن أغلبية زواره من الشيوخ الذين تتراوح أعمارهم بين الخمسين والسبعين عاما في حين هناك غياب تام للشباب، مستنتجين بذلك أن هناك قطيعة مع الماضي أو أن هناك اجتهاد في فهم أسس الدين وتشريعاته من طرف الفئات الاجتماعية الأخرى، لكن الغريب أن الوعي في الممارسات الدينية لم يؤثر على علاقة السكان بالضريح؛ فالأخير لازال يحضى بقدسيته لدى كبار السن. انها من الإشكاليات التي لن نجد لها جوابا الا بدراسة نفسية للعقلية المحلية وطرق تفكيرها وهذا لن  يتأتى طبعا الا بتسليط الضوء على بلاد الواحات في الجنوب المغربي إنسانا ومجالا.
المصدرعلاحمو مصطفى / طالب باحث في التاريخ.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.